للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

واستشكل على الزمخشري في آية: إياك نعبد، وذكر من كلام سيبويه ما اعتقد أنه شاهده كما ذكر من كلام الأعراب ما يفيد عدم الاختصاص -كما ظن- وقد ناقشت هذا الموضوع مناقشة وافية في كتاب البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري.

وقد خالف أيضًا العلامة ابن الأثير في القول بدلالة تقديم المعمول على الاختصاص في قوله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} ١، وقد قال البلاغيون: إن التقديم في قوله: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} ، مفيد للاختصاص، وكأنه قال: لا تصلوه إلا الجحيم وهي نار عظيمة، وكذلك التقديم في قوله: ثم في سلسلة على قوله: فاسلكوه قال الزمخشري: "سلكه في السلسلة أن تلوي على جسده حتى تلتف عليه أثناؤها، وهو فيما بينما مرهق مضيق عليه لا يقدر على حركة، وجعلها سبعين ذراعًا إرادة الوصف بالطول كما قال: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} ٢، يريد مرات كثرة؛ لأنها إذا طالت كان الإرهاق أشد والمعنى في تقديم السلسلة على لاسلك مثله في تقديم الجحيم على التصلية أي لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة، كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم.

قلت: إن العلامة ابن الأثير رفض دلالة التقديم في الآية الكريمة في الموضعين على الاختصاص، ورأى أنه للفضيلة السجعية كما قال، أي للمحافظة على رءوس الآي، قال: "ولا مراء في أن هذا النظم على هذه الصورة أحسن من أن لو قيل خذوه فغلوه ثم صلوه الجحيم"، وكذلك قال في سلسلة، وتقديمها على فاسكلوه لم يكن للاختصاص، وإنما لنظم الكلام، ولا شك أن هذا النظم أحسن من أن لو قيل: ثم اسلكوه في سلسلة ذرعها سبعون ذرًاعا.


١ الحاقة: ٣٠-٣٢.
٢ التوبة: ٨٠.

<<  <   >  >>