ثم قال أبو الفتح وهذا هو مقصدوي "فإن قلت إن هذا ليس مرفوعا إلى العرب ولا محكيا عنها أنها رأته مذهبها، وإنما هو شيء رآه سيبويه واعتقده قولا له ولسنا نقلد سيبويه ولا غيره، في هذه العلة ولا غيرها" انتهى كلام أبي الفتح "ص٢٩٨" الخصائص" والذي يعينني أن أبا الفتح رفض أن يدخل قياسا في العربية مستأنسا بسيبويه الذي ذكر أبو الفتح أنه يحتج بلغته، ورأى ضرورة أن يكون أي قياس أو فكر أو أصل علمي، يداخل اللغة مستأنسا باللغة نفسها، وطرائق أهلها، وليس بطرائق علمائها، وإن كانوا في طبقة سيبويه، أليس هذا أشد في التحرج والتصون من شدائد عمر؟
وبهذا التحرج وهذا التشدد بقيت العربية تحوطها هذه الأصول المؤسسة على على استقراء كلام العرب في ألسنتنا كما كانت في ألسنتهم؛ لو قرأت لي كلمة مكرفوعة وقياسها الجر لأنكرت على فعلي؟ ماذا يقول أبو الفتح لو بعث ورآنا ندخل فيها أصولا غريبة عنها وعن علمائها ولا ترطبها بها رابطة؟ وندير درسها على كلام من لم يعرف منها حرفًا؟
لا أشك في أن ضعف مستوى طلاب أقسام اللغة العربية راجع إلى أنها يدرسون اللغة بغير طرائقها وبغير أصولها المنتزعة من لحمها ودمها. كما كان الحال في تاريخها كله.
قرأت منذ زمن كلاما يقول صاحبه إن البلاغة بلغت حد اليأس وتجمدت، وعقمت، وأصبحت كالجذع القديم، ويجب أن تموت، وأن يرثهنا علم الأسلوب، ولما قرأت هذا الكلام طرحته ولم ألفت إليه، لأنه في تقديري لم يكن أكثر من "بلونة" يلعب بها طفل يحب أن يلفت الناس إليه، لأننا لم ننشيء علم الأسلوب ولم نستخرجه من لغتنا، حتى يصح أن يكون بديلا لعلم من علومنا، وبديهة العقل تقول أن الذي يسد مسد علم