للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أن كثرة الخصوصيات التي هي من عوامل ارتفاع شأن الكلام، والحكم عليه بالجودة هي الخصوصيات التي وراءها رصيد من الأفكار، والمعاني كما بينا.

أما بلاغة المتكلم فهي مقدرته، أو موهبته التي يستطيع بها أن يعبر تعبيرًا بليغًا، أي يبلغ مواطن الحس، والشعور من النفس المتلقية.

وقد تقسمت مباحث البلاغت في ثلاثة أقسام أو ثلاثة علوم، فهناك بحوث تعنى بالصياغة وأحواله، وموقع الكلمة المفردة، فتبحث التعريف والتنكير والتقديم والتأخير، والحذف والذكر والقصر والفصل، والوصل وغير ذلك مما له صلة بأحوال التراكيب، وهذه البحوث سماها البلاغيون علم المعاني.

وهناك بحوث تعنى بدراسة التصوير البياني الذي يستعين به الأديب على البوح بما في نفسه، وإبرازه مثل التشبيه والمجاز والكناية، وهذه البحوث يسميها البلاغيون علم البيان.

وهناك بحوث تعنى بما في النص من ألوان التحسين، ووجوه الصقل والتثقيف، فإن العرب يحبون أن تكون كلماتهم حلوة، تتفتح لها النفوس، وتستجيب لها القلوب، والضمائر وذلك لحرصهم على أفكارهم، ومعانيهم وخواطرهم، فالعناية باللفظ عندهم فرع العناية بالمعنى، يقول ابن جني: "فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسنوها، ونقحوا حواشيها وهذبوها، وصقلوا غريبها وأرهفوها، فلا ترين أن العناية إذا ذاك إنما هي بالألفاظ بل هي عندنا خدمة منهم للمعاني، وتنويه بها، وتشريف لها"، والبحثو التي تعنى بألوان التزيين والتحسين، كالسجع والجناس والطباق، والمقابلة بحوث سماها البلاغيون علم البديع.

فعلوم البلاغة ثلاث هي: المعاني، والبيان، والبديع.

وهناك مناقشات حول صواب هذا التقسيم وخطئه، وكذلك حول منشئه في تاريخ البلاغة، شغل بهذا كثير من المعاصرين، ولا نريد الخوض فيه؛ لأنه ليس مهما في سياقنا هذا.

<<  <   >  >>