للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إنه فعل جزائي ما ترى، وعليه: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} ١، {رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} .

وقد يكون التوكيد لغرابة الخبر، وحرص المتكلم على أن يؤنس به نفس المخاطب، وإن كانت لا تنكره، وإنما هي في حاجة إلى ما يهيئها لقبوله، ومنه قوله تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ٢، فقد أكد أني أنا الله رب العالمين ليؤنس نفس موسى عليه السلام بالخبر، ويحبط ما عساه يعلق بالنفس في مثل هذا الموقف، فقد انطلق عليه السلام ليأتي أهله بخبر، أو جذوة من النار لعلهم يصطلون، وبينما هو ذاهب إلى هذا الغرض، فجأه نداء الحق سبحانه من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة، وهذا موقف غريب فاحتاج إلى التوكيد، ومثله قوله تعالى يخاطب موسى عليه السلام لما رأى أفاعيل السحرة، وأوجس في نفسه خيفة قال له الحق: {لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} ٣، فأكد قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} بجملة من التوكيدات كما قال البلاغيون، ليزل وحشة نفسه في هذا المقام، وإن كان موسى عليه السلام مستوثق اليقين من وعد ربه.

وقد يكون التوكيد إظهارًا لمعتقد النفس، وإبرازًا له لتزداد النفس يقينا به؛ لأن مقامها يقتضي ذلك ومثله قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} ٤، فإن المصيبة قد تقلق النفس وتهز اليقين، وعندئذ تلوذ النفس المؤمن بكينونتها لله ورجعتها إليه، فتعلن ذلك وتؤكده لتثبت في مواجهة الشدة.

وقد يأتي التوكيد في الجمل التي كأنها نتائج لمقدمات، فيلفت التوكيد إلى هذه الجمل، وكأنها هي المقصودة الأهم وموضع العناية.


١ آل عمران: ٣٦.
٢ القصص: ٣٠.
٣ طه: ٦٨.
٤ البقرة: ١٥٦.

<<  <   >  >>