أما هذه الطريقة الهابطة والتي تقوم على أساس أننا إذا لم نجد ما تحتاجه من فكر ومعرفة عند سلفنا نطلبه عند الآخرين فلا أراها إلا فلسفة الهمل، والعالة، وأهل العجز، وإنما سماها الهمل، والعجزة، والعالة، تنويرا وتحديثا، ومعاصرة.
والقول الثاني هو القول بأن البلاغة لما شغلت بموضوع الإعجاز تخلت عن رسالتها، وهي البحث في بلاغة الببيان ,أو "جمالياته" كما يحب أصحابنا أن يقولوا. وذلك لأنه داخلها المنطق والفلسفة المسيطران على قضية الإعجاز، ومن المقرر عند الشيخ أمين الخولي -رحمه الله- أن المنطق والفلسفة عدوان لدودان للبلاغة، وكنت أتابع ما يكتب بدقة لأني كنت أدد في كتابته شيئا افتقده عند كثير من الناس وهو سيطرة عقل قوى متمكن على كل ما يكتب، وإنك لترى هذا العقل آخذا بأزمة أفكاره باقتدار، وكان هذا ولا يزال يروقني سواء وافقت على النتائج التي سنتهي إليها أو خالفت، وأكره تلك العقول التي ترزح تحت وطأة ما تحفظه الذاكرة. وأحب العقل الذي ينتقي ويسيطر بعلم يتسع ووعي يدرك.
والقول بأن البلاغة فسدت لما داخلت موضوع الإعجاز كان من أعجب ما قرأت، لأننا لو تصورنا وجود بلاغة بعيدة عن الإعجاز وهي عندنا بلاغة صالحة، ثم لما داخلت الإعجاز فسدت نكون قد تصورنا وهما محضا؛ لأن البلاغة لم تولد إلا تحت عنوان "دلائل الإعجاز" الذي كتبه عبد القاهر، وهو المؤسس لهذا العلم، لأن مابحث البلاغة التي نقصد إليها حين نتحدث عن البلاغة، لم توجد قبل كتاب دلائل الإعجاز، وإذا كانت قد أنشئت وولدت من رحم الإعجاز، فكيف يتصور القول بأنها لما شغلت بالإعجاز فسدت؟ هذا كلام لا يلتئم أبدا وهو محض وهم، ولم أعرض لبيان فساده فيما كتبت لظهور هذا الفساد وإنما أنا الآن مضطر لبيان