للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنه يكون عدلًا مقبولًا في غير ما يتهمه فيه= فحاصل ذلك أنه يظنه عدلًا ولا يظنه عدلًا! !

ولا أعلم خلافًا أن الرجل إذا ثبت أنه تعمَّد شهادةَ زورٍ لصديقه على عدوه سقطت عدالته ألبتة، فلا يكون عدلًا في شهادة أخرى، ولو كانت لعدوِّه على صديقه. وكذلك لا أعلم خلافًا أن من تظن به ما ينافي العدالة ليس لك أن تعدِّله، ومثله من يحتمل عندك احتمالًا غير راجحٍ ولا مرجوح أنه ارتكب ما ينافي العدالة، وذلك أن التعديل يتضمَّن الجزم بأنه لم يكن ولن يكون منه ما ينافي العدالة، وهذا الوازع هو المَلَكة التي ذكروها في قولهم في تعريف العدالة: "مَلَكة تمنع من اقتراف الكبائر ... " (١).

فأما أن تتهم أنت رجلًا أو تشك فيه، ويعدِّله غيرُك فلا مانع من ذلك، وإذا ثبت التعديل سقطت التهمة، فضلًا عن الشك، ولا سيما إذا كان الاتهام أو الشك ممن هو دون المعدِّل في الخبرة، فأما إذا كان له هوًى في ردّ الشهادة ونحوها فالأمر أوضح، فإن اتهام المخبِر كثيرًا ما يكون من أماني الهوى، كما قال أبو الطيب (٢):

شقَّ الجزيرةَ حتى جاءني نبأ ... فَزِعتُ منه بآمالي إلى الكذب

وكأنه أخذه من قول الأول (٣):


(١) انظر "التنكيل": (١/ ٧٣ - ٧٤)، ورسالة "الاستبصار في نقد الأخبار" (ص ١٥ فما بعدها).
(٢) سيأتي تخريجه (ص ١٤٤).
(٣) الأبيات من قصيدة لأعشى باهلة يرثي بها أخًا له يقال له: المنتشر. انظر "جمهرة أشعار العرب": (٢/ ٧١٤)، و"الكامل": (٣/ ١٤٣١) للمبرد.