للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على نفسه في دينه، ولا يأمن أن يلحقه لأجلها ضرر شديد في دنياه، كلُّ ذلك ليضرّ المشهود عليه في دنياه ضررًا قد يكون يسيرًا، كعشرة دراهم مثلًا.

وهَبْه صح الردُّ بالعداوة مع بقاء العدالة، فالقائلون بالردِّ يشرطون أن تكون عداوةً دنيوية تبلغ أن يحزن لفرحه، ويفرح لحزنه، وهذا لا يتأتَّى للأستاذ إثباته في أحدٍ ممن يتهمهم؛ لأنه إن ثبت انحرافهم عن أبي حنيفة وأصحابه، وثبت أن ذلك الانحراف عداوة فهي عداوة دينية، وهب أنه ثبت في بعضهم أنها عداوة دنيوية، فلا يتأتَّى للأستاذ إثبات بلوغها ذاك الحدّ، أي: أن يحزن لفرحه، ويفرح لحزنه، وهَبْه بلغ فقد تقدَّم أن الرواية لا تردُّ بالعداوة.

وأما ما ذكره الأستاذ من كلام الشافعي في أصحاب العصبية، فالشافعي إنما عَنَى العصبية لأجل النسب، كما هو صريحٌ في كلامه، وذلك أمر دنيوي، وكلامُه ظاهرٌ في أنها بشرطها تُسقط العدالة، ولا ريب أنه إذا بلغت العصبية أو العداوة إسقاط العدالة لم تقبل لصاحبها شهادةٌ ولا رواية البتة سواء أكانت دنيوية أم مذهبية أم دينية، كمن يُسْرف في الحنق على الكفار، فيتعدّى على أهل الذمة والأمان بالنهب والقتل، ونحو ذلك، بل قد يكفر ..

فقد اتضح بما تقدم الجواب عن بعض ما يمكن أن يُتشبَّث به في ردّ رواية العدول.

وبقي حكاية عن شريك (١)

ربما يُؤخذ منها أنه قد تقبل شهادة بعض


(١) أما أثر شريك ففي تاريخ بغداد (١٣/ ٤٩٩): عن شريك أن رجلًا قدّم إليه رجلًا فادّعى عليه مائة ألف دينار قال: فأقرّ به قال: فقال شريك: أما إنه لو أنكر لم أقبل عليه شهادةَ أحدٍ بالكوفة إلا شهادة وكيع بن الجراح وعبد الله بن نُمير.

وعلق عليه المصنف في رسالة له في "العدالة" بقوله: "يعني أن المال عظيم، فلا ينبغي تهمة الشاهد فيه حتى يكون عظيم العدالة، ولو كان ألف دينار فقط لكان بالكوفة يومئذٍ ألف عدل أو أكثر من [لا] ينبغي التهمة بشهادة رجلين منهم فيه".