للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَقِيلَ): الحُكْمُ لما قَالَهُ (الاكْثَرُ) - بالدَّرجِ - مِن وَصْلٍ، أَوْ إرْسَالٍ؛ لأنَّ تطرُّقَ السَّهْوِ، والخَطَإِ إليهِم أبْعَدُ (١).

(وَقِيلَ): الحُكمُ لما قالَهُ (الاحْفَظُ) مِن ذَلِكَ (٢).

فَهذهِ أربعةُ أقوالٍ، وَبقيَ خامسٌ، ذكرَهُ السُّبْكِيُّ (٣)، وَهُوَ: تساويهُما.

وَمَحلُّ الخِلافِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلامُهُم، فِيْمَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ تَرْجِيحٌ بغيرِ كَثْرةٍ، وَحِفْظٍ، وإتقانٍ، وإلاّ فَالحكمُ دائرٌ مَعَ التَّرجيحِ.


= ثم إنه جاء من حديث عدة من الصحابة، قال الحاكم في المستدرك ٢/ ١٧٢: (قد صحت الروايات فيه عن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش)، ثم قال: (وفي الباب عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وعبد الله ابن عمر ... )
والحديث صحّحه البخاري كما رواه عنه الخطيب فيما سبق، وروى الحاكم أيضاً تصحيحه عن علي بن المديني، ومحمد بن يحيى الذهلي. المستدرك ٢/ ١٧٠.
قلنا: مما سبق تبين أنّ رواية من وصل الحديث أصحّ وأرجح من رواية من أرسله، وأما زعم من زعم أنّ الإمام العلم الجهبذ البخاري صحّحه لأنّه زيادة ثقة، فهو كلام بعيد مجانبٌ لمنهج هذا الإمام وغيره من أئمة الحديث القائم على أساس اعتبار المرجحات والقرائن في قبول الزيادة وردها. والقول بقبولها مطلقاً هو رأي ضعيف ظهر عند المتأخّرين، قال به الخطيب وشهره، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: (ومن تأمل ما ذكرته عرف أنّ الذين صحّحوا وصله لم يستندوا في ذلك إلى كونه زيادة ثقة فقط، بل للقرائن المذكورة المقتضية لترجيح رواية إسرائيل - الذي وصله - على غيره) فتح الباري (٩/ ٢٢٩ طبعة الكتب العلمية). فالذي نظر في صنيع الأئمة السابقين والمختصين في هذا الشأن يراهم لا يقبلونها مطلقاً ولا يردونها مطلقاً، بل مرجع ذلك إلى القرائن والترجيح: فتقبل تارة، وترد أخرى، ويتوقف فيها أحياناً، قال الحافظ ابن حجر: (والمنقول عن أئمة الحديث المتقدّمين - كعبد الرحمان بن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبلٍ، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني، وغيرهم- اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحد منهم قبول إطلاق الزيادة) نزهة النظر: ٩٦.
وهذا هو الرأي المختار المتوسط الذي هو بين القبول والرد، فيكون حكم الزيادة حسب القرائن المحيطة بها حسب ما يبدو للناقد العارف بعلل الحديث وأسانيده وأحوال الرواة بعد النظر في ذلك، أما الجزم بوجه من الوجوه من غير نظر إلى عمل النقاد فذلك فيه مجازفة. (وانظر في ذلك بحثاً نافعاً في أثر علل الحديث: ٢٥٤ - ٢٦٣، وفيه كلام نفيس لعلاّمة العراق ومحقق العصر الدكتور هاشم جميل -حفظه الله-).
(١) نقله الحاكم عن أئمة الحديث. انظر المدخل إلى الإكليل ٤٠ - ٤١.
(٢) نسب الحافظ ابن رجب القول به إلى الإمام أحمد. انظر: شرح علل التّرمذي ٢/ ٦٣٥.
(٣) جمع الجوامع ٢/ ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>