وكذلك قول شعيب -عليه السلام-: {أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}[هود: ٨٥]، بين أن ما فعلوه كان بخسًا لهم أشياءهم، وأنهم كانوا عاثين في الأرض مفسدين قبل أن ينهاهم، بخلاف قول المجبرة أن ظلمهم ما كان سيئة إلا لما نهاهم، وأنه قبل النهي كان بمنزلة سائر الأفعال، من الأكل والشرب وغير ذلك. كما يقولون في سائر ما نهت عنه الرسل، من الشرك والظلم والفواحش.
وهكذا إبراهيم الخليل -عليه السلام- قال:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}[مريم: ٤١ - ٤٢]، فهذا توبيخ على فعله قبل النهي، وقال أيضًا:{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}[العنكبوت: ١٦، ١٧]، فأخبر أنهم يخلقون إفكًا قبل النهي.
فهذا كله يبين قبح ما كانوا عليه قبل النهي، وقبل إنكاره عليهم، ولهذا استفهم استفهام منكر فقال:{أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات: ٩٥] أي: وخلق ما تنحتون فكيف يجوز أن تعبدوا ما تصنعونه