بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقًا، وأكثر الناس بل كلهم لائم لهم، فلغربتهم بين الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم.
ومعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - هم «النزَّاع من القبائل»(١): أن الله سبحانه بعث رسوله، وأهل الأرض على أديان مختلفة، فهم بين عباد أوثان ونيران وعباد صور وصلبان ويهود وصابئة وفلاسفة، وكان الإسلام في أول ظهوره غريبًا، وكان من أسلم منهم، واستجاب لله ولرسوله غريبًا في حيه وقبيلته وأهله وعشيرته.
فكان المستجيبون لدعوة الإسلام نزاعًا من القبائل، بل آحادًا منهم، تغربوا عن قبائلهم وعشائرهم، ودخلوا في الإسلام فكانوا هم الغرباء حقًا حتى ظهر الإسلام، وانتشرت دعوته، ودخل الناس فيه أفواجًا.
فزالت تلك الغربة عنهم، ثم أخذ في الاغتراب والترحل، حتى عاد غريبًا كما بدأ، بل الإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره، وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة.
(١) سنن ابن ماجه (٣٩٨٨) ومسند أحمد (٣٥٩٦)، وسنن الدارمي (٢٧٥٥) وصححه الألباني - رحمه الله - في صحيح ابن ماجه (٣٢٢٣).