وقال أيضًا -رحمه الله تعالى-: «وقوله تعالى: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}[الأعراف: ١٧٣]: وهم آباؤنا المشركون، وتعاقبنا بذنوب غيرنا؟
وذلك لأنه لو قدر أنهم -أي المشركين- لم يكونوا عارفين: بأن الله ربهم، ووجدوا آباءهم مشركين، وهم ذرية من بعدهم، ومقتضى الطبيعة العادية أن يحتذي الرجل حذو أبيه، حتى في الصناعات، والمساكن، والملابس، والمطاعم إذ كان هو الذي رباه، ولهذا كان أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويشركانه، فإذا كان هذا مقتضى العادة الطبيعية، ولم يكن في فطرهم وعقولهم ما يناقض ذلك، قالوا: نحن معذورون، وآباؤنا هم الذين أشركوا، ونحن كنا ذرية لهم بعدهم اتبعناهم بموجب الطبيعة المعتادة، ولم يكن عندنا ما يبين خطأهم.
فإذا كان في فطرتهم ما شهدوا به من أن الله وحده هو ربهم، كان معهم ما يبين بطلان هذا الشرك، وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم.
فإذا احتجوا بالعادة الطبيعية من اتباع الآباء، كانت الحجة عليهم: الفطرة الطبيعية العقلية السابقة لهذا العادة الأبوية.
كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه)(١).
(١) متفق عليه، صحيح البخاري (١٣٨٥)، وصحيح مسلم (٢٦٥٨).