فكانت الفطرة الموجبة للإسلام سابقة للتربية التي يحتجون بها.
وهذا يقتضي أن نفس «العقل» الذي به يعرفون التوحيد حجة في بطلان الشرك، لا يحتاج ذلك إلى رسول، فإنه جعل ما تقدم حجة عليه بدون هذا» (١).
وقال ابن القيم في ذات المعنى: «أن يقولوا -أي المشركون- {إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}[الأعراف: ١٧٣] وهم آباؤنا المشركون، أي: أفتعاقبنا بذنوب غيرنا؟
فإنه لو قدر أنهم لم يكونوا عارفين بأن الله ربهم، ووجدوا آباءهم مشركين، وهم ذرية من بعدهم، ومقتضى الطبيعة العادية أن يحتذي الرجل حذو أبيه حتى في الصناعات، والمساكن، والملابس، والمطاعم، إذ كان هو الذي رباه. ولهذا كان أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه.
فإذا كان هذا مقتضى العادة والطبيعة، ولم يكن في فطرهم وعقولهم ما يناقض ذلك، قالوا: نحن معذورون، وآباؤنا هم الذين أشركوا، ونحن كنا ذرية لهم بعدهم، ولم يكن عندنا ما يبين خطأهم، فإذا كان في فطرهم ما شهدوا به من أن الله وحده هو ربهم كان معهم ما يبين بطلان هذا الشرك، وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم.