وفيه أيضًا أنه فهم المراد من التوحيد، وفهم أنه أمر كبير غريب ولأجل هذا قال: من معك على هذا؟ قال:«حر وعبد» فأجابه: إن جميع العلماء والعباد والملوك والعامة مخالفون له ولم يتبعه على ذلك إلا من ذكر فهذا أوضح دليل على أن الحق قد يكون مع أقل القليل وأن الباطل قد يملأ الأرض.
ولله در الفضيل بن عياض -رحمه الله- حيث يقول:«لا تستوحش من الحق لقلة السالكين ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين» وأحسن منه قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[سبأ: ٢٠].
وفي «الصحيحين» أن بعث النار من كل ألف تسعة وتسعون وتسعمائة، وفي الجنة واحد من كل ألف. ولما بكوا من هذا لما سمعوه قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية فيؤخذ العدد من الجاهلية فإن تمت وإلا أكملت من المنافقين». قال الترمذي حسن صحيح.
فإذا تأمل الإنسان ما في هذا الحديث من صفة بدء الإسلام ومن اتبع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ ذاك، ثم ضم إليه الحديث الآخر الذي في «صحيح مسلم» أيضًا أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:«بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ» تبين له الأمر وانزاحت عنه الحجة الفرعونية.