للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما من أثبت الوصف، ونفى الصفة فقال: أقول عالم ولكن لا علم له، ومتكلم ولكن لا كلام له، وهكذا في سائر الصفات على مذهب المعتزلة، فمن قال: بالمآل لما يؤديه إليه قوله، ويسوقه إليه مذهبه كفره، لأنه إذا نفى العلم انتفى وصف عالم، إذ لا يوصف بعالم إلا من له بعلم فكأنهم صرحوا عنده بما أدى إليه قولهم، وهكذا عند هذا سائر فرق أهل التأويل، من المشبهة، والقدرية،

وغيرهم.

ومن لم ير أخذهم بمآل قولهم ولا ألزمهم موجب مذهبهم، لم ير إكفارهم، قال: لأنهم إذا وقفوا على هذا، قالوا: لا نقول ليس بعالم، ونحن ننتفي من القول بالمآل الذي ألزمتموه لنا، ونعتقد نحن وأنتم أنه كفر، بل نقول: إن قولنا لا يؤول إليه على ما أصلناه.

فعلى هذين المأخذين اختلف الناس في إكفار أهل التأويل، وإذا فهمته اتضح لك الموجب لاختلاف الناس في ذلك، والصواب ترك إكفارهم، والإعراض عن الحتم عليهم بالخسران، وإجراء حكم الإسلام عليهم في قصاصهم، ووراثاتهم، ومناكحاتهم، ودياتهم، والصلاة عليهم، ودفنهم في مقابر المسلمين، وسائر معاملاتهم، لكنهم يغلظ عليهم بوجيع الأدب، وشديد الزجر، والهجر حتى يرجعوا عن بدعتهم، وهذه كانت سيرة الصدر الأول فيهم، فقد

كان نشأ على زمن الصحابة، وبعدهم في التابعين من قال بهذه الأقوال، من القدر ورأي الخوارج، والاعتزال، فما أزاحوا لهم قبرًا،

<<  <   >  >>