بيان معناه، فإن القرآن جعله الله شفاءً لما في الصدور، وبيانًا للناس فلا يجوز أن يكون بخلاف ذلك، لكن قد تخفى آثار الرسالة في بعض الأمكنة والأزمنة، حتى لا يعرفون ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إما ألا يعرفوا اللفظ، وإما أن يعرفوا اللفظ ولا يعرفوا معناه، فحينئذ يصيرون في جاهلية بسبب عدم نور النبوة، ومن ههنا يقع الشرك، وتفريق الدين شيعًا، كالفتن التي تحدث السيف.
فالفتن القولية والعملية هي من الجاهلية بسبب خفاء نور النبوة عنهم، كما قال مالك بن أنس: إذا قل العلم ظهر الجفاء، وإذا قلت الآثار ظهرت الأهواء، ولهذا شبهت الفتن بقطع الليل المظلم، قال أحمد في خطبته: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة بقايا من أهل العلم، فالهدى الحاصل لأهل الأرض إنما هو من نور النبوة، كما قال تعالى:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى}[طه: ١٢٣].
فأهل الهدى والفلاح هم: المتبعون للأنبياء وهم المسلمون المؤمنون في كل زمان ومكان.
وأهل العذاب والضلال هم: المكذبون للأنبياء.
يبقى أهل الجاهلية، الذين لم يصل إليهم ما جاءت به الأنبياء، فهؤلاء في: ضلال وجهل وشرك وشر، لكن الله يقول:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}[الإسراء: ١٥]، وقال: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ