واليوم الآخر يواد من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب، وأن هذا مناف للإيمان مضاد له، لا يجتمع هو والإيمان إلا كما يجتمع الماء والنار، وقد قال تعالى في موضع آخر:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[التوبة: ٢٣].
ففي هاتين الآيتين: البيان الواضح أنه لا عذر لأحد في الموافقة على الكفر، خوفًا على الأموال والآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشائر ونحو ذلك مما يعتذر به كثير من الناس، إذا كان لم يرخص لأحد في موالاتهم، واتخاذهم أولياء بأنفسهم، خوفًا منهم وإيثارًا لمرضاتهم، فكيف بمن اتخذ الكفار الأباعد أولياء وأصحابًا، وأظهر لهم الموافقة على دينهم خوفًا على بعض هذه الأمور، ومحبة لها، ومن العجب: استحسانهم لذلك، واستحلالهم له، فجمعوا مع الردة استحلال الحرام ...
وأيضًا: فليس الخوف بعذر كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}[العنكبوت: ١٠] فلم يعذر الله - تبارك وتعالى- من يرجع عن دينه عند الأذى والخوف، فكيف بمن لم يصبه أذى ولا خوف، وإنما جاء إلى الباطل محبة له وخوفًا من الدوائر، والأدلة على هذا كثير، وفي هذا كفاية لمن أراد الله هدايته.
وأما من أراد الله فتنته وضلالته، فكما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ}