للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

...............................................................

ــ

((لم يعمل خيرًا قط)) (١). مع أن الرجل ذهب إلى الراهب ليسأله عن التوبة، ثم ذهب إلى العالم ليسأله عن التوبة بعد ندمه على قتل الراهب، ثم امتثل وعمل كل ما قاله العالم له من شروط التوبة ... وكل ذلك من أعمال البر، لكنها بجانب سيئاته ومعاصيه، فكأنه لم يعمل خيرًا قط.

قال الإمام ابن رجب الحنبلي- رحمه الله تعالى- " والمراد بقوله: (لم يعملوا خيرًا قط) من أعمال الجوارح، وإن كان أصل التوحيد معهم" (٢).

قلت ولا شك أن التوحيد قول وعمل واعتقاد، وهذا دليل على فعل بعض الأعمال الصالحة.

وقد ساغ في لغة العرب أن يؤتى بلفظ الكل ويكون المراد به البعض لا الكل.

قال الإمام الحافظ ابن عبد البر-رحمه الله تعالى- في بيان هذه القاعدة المهمة، في أثناء شرحه لحديث الرجل الذي أمر بذرّ نفسه، والمعروف بحديث القدرة: «روي من حديث أبي رافع، عن أبي هريرة في هذا الحديث أنه قال: قال رجل (لم يعمل خيرًا قط إلا التوحيد) وهذه اللفظة إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها؛ لأنه محال غير جائز أن يُغفر للذين يموتون وهم كفار، لأن الله - عز وجل- قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن


(١) متفق عليه، انظر البخاري (٣٤٧)، وصحيح مسلم (٢٧٦٦).
(٢) التخويف من النار/٢٥٩.

<<  <   >  >>