أبو إلا الانطلاق: من إفراد الله بالتوحيد والطاعة مع البراءة من الشرك وأهله، وعليه عقدوا ولاءهم وبراءهم. وقد علموا أن الثمن المبذول سيكون رهيبًا، بيد أنهم متيقنون من ربح بيعهم، وثقل ثفقتهم، وعلو كعبهم على كل من عاداهم.
قبضوا على دينهم في وقت غربته فاشتعل في أيديهم كالجمر، وكلما ازداد حرارة ولهيبًا ازدادوا تمسكًا واستقامة.
لم يبحثوا عن الأمن في الدنيا، بل جل همهم مصروف للبحث عن الأمن في الآخرة.
وهذه الغربة لا وحشة على أصحابها لأنهم بما يتنعمون، ويستعذبون كل ما يلاقون جزاء التمسك بدينهم، والعض بالنواجذ على هدي نبيهم - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم هون على المؤمنين بك غربتهم، وثبتهم على الحق الخالص حتى الممات.
قال الإمام ابن قيم الجوزية في وصف الغربة، وحال أصحابها: «فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فيهم غرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة.
ولكن هؤلاء هم أهل الله حقًا فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله عز وجل فيهم:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[الأنعام: ١١٦]