النفوس تنخدع بالباطل كما تنخدع بالحق، ولا تأخذهم بغرضك المحض فقلما يساعفونك به إلا عوضا عما سلفتهم من غرض لهم سابق، وكن توابا رجاعا أوابا إلى الله عظيم الالتجاء الدعاء والالغاط بأسمائه المطلوب العلمي. قال صلى الله عليه وسلم:{الظوا بيا ذا الجلال والإكرام} قال تعالى: {قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم}.
وإياك إياك من التعويل على واحد بخصوصه وإلقاء الشراشر عليه، فإن من ألقى شراشره على غير الله وكله وما اختار لنفسه. وأنهاك أنهاك عن التوقيف على بواطنك وخفاياك، وآمرك آمرك بسد طريق العلم بذاك جهدك وتكثيف حجابه ما أمكن، وكن مع الناس بلسانك وظاهرك من كمالاتهم الدنيوية التي يعتقدونها كمالا، فإن الدنيا قد صارت مخارق للحقائق، وثم أمور لا يمكن التصريح بها ولا تتم بالتلقين، وأنا اسأل الله أن يوفقك لها ويوقفك على حقيقتها.
وهذا آخر ما تيسر لي كتابته في هذا الغرض مما سهل مما حضر وفي النفس من معاودته وبسط القول فيه، فإن هذا الكتاب إنما وضعته مسودة وأنموذجا وبرنامجا في هذا المطلوب وفتحا لباب عسى أن يلج فيه من حركه الله لذلك، ولم ادخر فيه مما حضرني إلا ما خفت على الكتاب من كساده به لغموض وكونه من الحكمة الضرورية أو من مشكلات غيرها من العلوم، فيعسر فهمه أو ينتقده من لا يقف على حقيقة معناه أو لكونه تاريخا محضا فيصبر الكتاب به أدبيا لا علميا، ولم تتسع المادة بمجانس لما أوردته أزيد مما ذكرته، أني زحمت به بالخلخلة ولززت به لزا بين عوائقي النفسانية وشواغلي البدنية مع قلة الكتب وعدمها، وما أحق هذا المقام بقول القائل:
ولست بأول ذي همة ... دعته لما ليس بالنائل
يشمر للج عن ساقه ... ويغمره الموج في الساحل
وأنا أستغفر الله تعالى وأتوب إليه مما لعله فيه مما هو من قبيل الشقشقة والطنطنة، أو من قبيل التمويه والسفسطة، أو من حكم لم يصادف الحق أو قول لعله يوافق