وكانتا عتواً وجبرية وفساداً في الأمة يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك ويرزقون أبداً حتى يلقوا الله عز وجل} وخرجه أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنة بنحوه مختصراً.
ولسر هذه الأحاديث تجدد في الدول بعده صلى الله عليه وسلم ما لم يكن في عصره صلى الله عليه وسلم واستعجم الملك، وتجددت فيه أحوال فارس والعجم من الملابس الفاخرة والمساكن الأنيقة والحجاب ومضاعفة الحجاب ومن الوزراء والجاويشية والجوندارية وأصناف أمراء ووظائف وأسماء لم تكن في عصره صلى الله عليه وسلم، وحدث تخطي الحدود والتعاويز وتشنيع القتل وإيقاعه بغير موجب شرعي، وزالت أحوال البداوة من خوف المذمة وشدة الحياء والكرم والتبذل في المأكل والملبس والمركب ومن اتخاذ التواضع خلقاً، وحدثت الحوادث وكثرت الخوارج والمتغلبون على العباسيين الذين يدلون بنسبهم إليه صلى الله عليه وسلم، ونزلت سيادتهم بشريعته المستلزمة للعلوم كما تقدم، فخرجت حصة من مملكة الشرق من أيدي العباسيين في دولة بني بويه على يد يحكم وغيره، ثم زالت أيديهم عن العراق كله، وخرج الحكم عنهم فيه أصلا سنة وشهوراً في أيام ارسلان البساسيري في حدود الخمسين والأربعمائة، ثم عاد إلى أن أخرجه عنهم مطلقاً واستأصلهم هلاكو بن طولى خان بني جنكيز خان.
وكان الصدر الأول يدبرون أفعالهم على محض الشريعة، ثم جاء من بعدهم فأدخلوا فيها بالاستدلال والتمحل جملة من السياسة، ثم فعلوا أموراً سياسية وهونوها على الناس بالاعتذار، ثم اتسع نطاق السياسة وأدار الملوك أحوالهم على عقولهم واحدث جنكيز. خان الياساق الذي وضعه وجعل الناس يتحاكمون إليه ويطلع إلى جبل ويزعم إنه يوحى إليه به، وأكثره مخالف لشرائع الله وكتبه وإنما هو شيء اقترحه من عند نفسه بعد الستمائة وأوحاه إليه شيطانه، وكان يكتب
ابساقه في مجلدين بخط غليظ ويحمل على بعير ويبالغ في تعظيمه، وكثرت الحوادث السياسية والأمور العقلية المخالفة للشريعة واستغناء الحكام بعقولهم مما يقتضي علي بسط العلم ويقضي إلى عدم الاحتياج إليه، فإن النفوس حكوية من شأنها المحاكاة في الشر، ومهما صدر شيء وزال بقي منه أثر في النفوس، وزواله الظاهر لا يستلزم زواله من النفوس وزوال الاستدلال به وروايته على سبيل الاستحلاء والاستحسان.