للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَهَلْ) أي وقد يجيء التمني بـ (هَلْ) والأصل أنها استفهامية، هذا الأصل فيها، فتخرج عن الاستفهام إلى التمني، وأصلها الاستفهام، حيث يُعْلم أو يَعْلم القائل امتناع ما بعدها، عرفنا أن التمني وإن لم يكن الوقوع فـ (هَلْ) الأصل فيها إذا مرت بك أن تحملها على الاستفهام، إذا استفهم إنما يُستفهم عن شيء ممكن الوقوع، أليس كذلك؟ فإذا كان ما بعدها غير ممكن الوقوع حملتها على التمني، ولذلك قالوا لك: أصلها الاستفهام حيث يعلم القائل امتناع ما بعدها نحو قوله تعالى: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا} [الأعراف: ٥٣] {فَيَشْفَعُواْ لَنَا} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية الواقعة في جواب الطلب الذي هو الاستفهام، وهنا وقد عُلِمَ أن لا شافع لهم هذا معلوم أم لا؟ معلوم من جهة الشرع إذًا غير ممكن الوقوع، والاستفهام إنما يمكن عن ماذا؟ عن شيء يمكن وقوعه وإيجاده وحصوله، هَلْ قَامَ زَيْدٌ؟ هَلْ زَيْدٌ قَائِم؟ حينئذٍ لما كان ما بعد (هَلْ) امتنع وقوعه قلنا: هذه اسْتُعْمِلَتْ في معنى التمني والسياق يدل على ذلك، {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ} هذا فيه معنى التمني، فيمتنع حينئذٍ حمله على حقيقة الاستفهام لحصول الجزم بانتفاء هذا الحكم واستدعاء الاستفهام للجهل بثبوته وانتفاءه، والنكتة هنا في التمني بـ (هَلْ) والعدول عن ليت هو إيراد المتمنَّى لكمال العناية به في صورة الممكن الذي لا جزم بانتفائه، يعني خرج عن كونه بـ (ليت) لأن الأصل في (هَلْ) أن يكون ما بعده جائز الوقوع، ولذلك استعملت هذه في محل تلك.

إذًا التمني بـ (هَلْ) مجاز وليس بحقيقة لأن الأصل في التمني إنما يكون بماذا؟ بـ ليت. ومن هنا نعلم أن الصحيح أن المجاز يدخل الحروف كذلك، وهذا سيأتي بحثه في ((الكوكب الساطع)) إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>