للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا هو الصحيح أنه لا يشترط في الطلب أن يكون على جهة الاستعلاء ولا على جهة العلو. والسيوطي هنا اختلف أمره رجح في ((الكوكب)) أنه لا يُشترط فيه علوٌ ولا استعلاء، ورجح هنا في ((عقود الجمان)) أنه يُشترط فيه الاست .. والمسألة هي بعينها، والمبحث هنا لغوي، وإذا كان كذلك يُنظر فيه على جهة القواعد العربية، فما وافق الحق قبل، وما لم يوافق رُدَّ، ولم يشترط المتكلم العربي الفصيح عندما قال: افعل. أن يكون الفعل من أعلى إلا أدنى، ولا يُشترط فيه أن يكون اللفظ مصحوبًا بما يدل على الغلظة، حينئذٍ يستوي فيه الأمران وإنما نطقوا بافعل وحملت على طلب إيجاد الفعل من غير كفٍ فحينئذٍ سمي أمرًا.

والتقسيم الذي يذكره البيانيون وتبعهم عليه المناطقة وغيرهم

[أن الأمر إن كان من أعلى إلى أدنى] (١) أن الطلب إن كان من أعلى إلى أدنى فهو أمرٌ.

وإن كان من أدنى إلى أعلى فهو دعاء.

وإن كان من مساوي لمساوي فهو التماس.

هذا لا الأصل له في لغة العرب، وإنما هو مجرد اصطلاح استعماله على جهة الأمر قالوا: حقيقة. والتماسٌ ودعاء قالوا: هذا على جهة المجاز. والصحيح أنه لا يُعرف هذا، هذا أمرٌ دخيلٌ على لسان العرب. إذًا قال: (وَالأَمْرُ وَهْوَ) أي الأمر من حيث المعنى طلب استعلاء، طلب فعلٍ غير كفٍ على جهة استعلاء، وذكر الناظم هنا ما رجحه البيانيون وهو أنه يشترط في الطلب أن يكون على جهة الاستعلاء من أجل أن يسمى أمرًا، فإن لم يكن على جهة الاستعلاء قالوا: ليس بأمر وإن استعمل فيه صيغة افعل فهو مجاز، والمراد هنا أن يعرف الأمر حقيقةً لا مجاز، فإن كان من المساوي للمساوي لأنه انتفى به الاستعلاء فلا يسمى أمرًا، إن كان من أدنى إلى أعلى {ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا} [آل عمران: ١٤٧] قالوا: ليس بأمر وإنما هو دعاء. نقول: هذا التقسيم لا أصل له.

ثم قال: (وَقَدْ لأَنْوَاع يَكُونُ جَائِي)، (وَقَدْ لأَنْوَاع يَكُونُ) قبل ذلك لأنه ذكر أن النهي له صيغة [النهي] الأمر له صيغة وهي صيغة افعل هذا الأصل فيها، وكل ما دل على الطلب ولو بواسطةٍ فيسمى أمرًا عند الأصوليين، وأما عند العرب فما، ذل بصيغته هو الذي يُسمى فعل أمر، يعني بصيغة افعل، وأما ليفعل فهذا ليس بأمرٍ وإن سماه الأصوليون أمرًا، لأن النظر إنما يكون في مدلول اللفظ لا في اللفظ بعينه فحسب، {لِيُنفِقْ} [الطلاق: ٧] هذا يسمى أمرًا عند الأصوليين، عن النحاة لا يسمى أمرًا، لكن عند البيانيين ذكر المرشدي أن البيانيين كالأصوليين. يعني ما دل على الأمر يكون أمرًا، ولذلك قال: صيغته من المقترنة باللام أولى، ومتى تكون مقترنة باللام؟ إذا كان فعلاً مضارعًا {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ} هذا يُسمى أمرًا عند البيانيين وهو أمرٌ عند الأصوليين، نحو: ليقم زيدٌ. هذا يُسمى أمرًا وهي لام الجازمة المفيدة للطلب، أو لا يكون بها نحو: أَكْرِم عمرًا، وصه، ونذاري، ورويدًا زيدًا هذه كلها تُسمى أمرًا عند البيانيين وهي كذلك عند الأصوليين.


(١) سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>