للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد لا تكون أدوات الاستفهام لما ذكر بل لغير ذلك لغير ذاك كما قال الناظم: (وَغَيْرُ ذَا) أي المذكورين، أي لغير الاستبطاء والتقرير يكون كالتعجب، تعجب بأداة الاستفهام نحو: {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل: ٢٠] {لَا أَرَى}، {مَا لِيَ} استفهام هذا، هل يستفهم عن فعل نفسه؟ هل قمت؟ هذا لا يستفهم الأصل إنسان عن فعل نفسه، لأنه لم يكن يغيب عنه إلا بإذنه فلما لم يبصره تعجب من حال نفسه في عدم إبصاره إياه، إلا معنى الاستفهام العاقل عن حال نفسه، وهذا محال، بل هو بعيد، قد يكون مجازًا لنوعٍ ما، والتنبيه على الضلال ضلال المخاطب كقوله تعالى: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [التكوير: ٢٦]. هل هذا استفهام؟ لا، ليس استفهام، وإنما خرج عن أصله والمراد به التنبيه على الضلال، {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} خطابٌ بتارك أمر الرسول والقرآن كما يقال لم يترك الجادة الواضحة إلى أين تذهب؟ يعني إلى أين أنت ذاهب هذا الطريق ليس هو الطريق، أي أنك ضللت، وذلك لأنه الله تعالى يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، وحينئذٍ لا تخفى عليه خافية من أجل أن يسأل عنها، فلا يريد بهذا الكلام الاستفهام عن مكان ذهابهم الذي هو مفهوم أين، لأن أين للمكان حينئذٍ في ظاهره استفهامٌ عن مكان ذهابهم، ولكن الله تعالى يعلم حينئذٍ لا يكون استفهامًا.

(وَالتَّحْقِيرِ) كقولك من هذا؟ أنت تعرفه لكن أرد أن تحقره فقلت: من هذا؟ وهذا للتحقير استخفافًا بشأنه مع أنك تعرفه.

وَالأَمْرُ وَهْوَ طَلَبُ اسْتِعْلاَءِ ... وَقَدْ لأَنْوَاع يَكُونُ جَائِي

أي ومن أنواع الطلب (الأَمْرُ)، والمنتخب منه التمني (وَالأَمْرُ) عطفًا على التمني، (وَهْوَ) أي الأمر (طَلَبُ اسْتِعْلاَءِ) يعني (طَلَبُ) بمعنى الإيجاد، طلب فعلٍ غير كفٍ على جهة استعلاء، (طَلَبُ) هذا فيه قصور من الناظم لأن الطلب قد يكون طلب فعلٍ، وقد يكون طلب تركٍ، قد يقال بأنه لما ذكر النهي حينئذٍ تختص الأمر بطلب الفعل، لكنه لم يعرف النهي، لو عرف النهي بأنه طلب الترك عرفنا أن الأمر طلب الفعل، فالأمر هو طلب إيجاد فعلٍ غير كفٍ، على جهة استعلاءٍ من الآمر على المأمور بمعنى أنه يطلبه ويكون العلو معه، يعني وهو عالٍ، الاستعلاء المراد به العلو على المأمور، وعده لنفسه عاليًا، وهذا الأصح عند البيانيين. هنا يفرقون حتى السيوطي في ((شرح عقود الجمان)) الأصح عند البيانيين أنه يُشترط في الأمر الاستعلاء، وإذا جاء عند الأصوليين وبحث المسألة هو بنفسه، والأصح عند الأصوليين أنه لا يُشترط علوٌ ولا استعلاء، والمسألة هي بعينها، والمتكلم وإن اختلف من جهة أنه فنٌ مستقل إلا أن الأصل في المسألة هي واحدة. فالأصح أن يقال ما رُجِّحَ عند الأصوليين يُسْتَصْحَبُ عند البيانيين، ومن رجح ما عند البيانيين ورآه حقًا استصحبه عند الأصوليين، والحق في المسألة أنه لا يُشترط في الأمر علوٌ ولا استعلاء سواءٌ كان عند البيانيين أو عند الأصوليين.

وليس عند جل الأذكياء ... شرط علوٌ فيه واستعلاء

<<  <  ج: ص:  >  >>