للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبل مداواته، ثم ينظر إلى السن والفصل والبلد، ثم إذا عرف حقيقة المرض، وقدر ما يحتمله المزاج إذا عرض، يشرع في تخفيف الحاصل، وقطع الواصل، مع حفظ القوى. ولا يهاجم الداء، ولا يستغرب الدواء، ولا يقدم على الأبدان إلا بما يلائمها، ولا يبعد الشبه، ولا يخرج عن جادة الأطباء ولو ظن الإصابة حتى يقوى لديه الظن ويتبصر به في رأي أمثاله. وليتجنب الدواء، ما أمكنه المعالجة بالغذاء، والمركب، وما أمكنه المعالجة بالمفرد؛ وإياه والقياس إلا ما صح بتجريب غيره في مثل مزاج من أخذ في علاجه، وما عرض له، وسنه، وفصله، وبلده، ودرجة الدواء. وليحذر التجربة، فقد قال (أبقراط) وهو رأس القوم: إنها خطر.

ثم إذا اضطر إلى وصف دواء صالح للعلة نظر إلى ما فيه من المنافاة وإن قلت، وتحيل لإصلاحه بوصف يصلح معه، مع الاحتراز في وصف المقادير والكميات والكيفيات، في الاستعمال والأوقات، وما يتقدم ذلك الدواء أو يتأخر عنه. ولا يأمر باستعمال دواء، ولا ما يستغرب من غذاء، حتى يحقق حقيقته، ويعرف جديده من عتيقه: ليعرف مقدار قوته بالفعل؛ وليعلم أن الإنسان هو بنية الله وملعون من هدمها؛ وأن الطبيعة مكافية وبؤسى لمن ظلمها؛ وقد سلم الأرواح وهي وديعة الله في هذه الأجسام، فليحفظها وليتق الله ففي ذلك جميع الأقسام؛ وإياه ثم إياه أن يصف دواء ثم يكون هو الذي يأتي به، أو يدل عليه، أو المتولي لمناولته للمريض ليستعمله من يديه، وفي هذا كله لله المنة ولنا إذ هدينا له وأرشدناه إليه).

٣٠ - وصية متطبب بالكحل:

(وها أنت أفردت بتسليم أشرف الحواس الخمس، والجوارح التي لولاها لم تعرف حقيقة ما يدرك بالسمع والذوق والشم واللمس؛ وهي العين التي تفدى بالعين، وتوقى ساعة البين؛ وقد جعلت منها لمعالجة أشرف الأعضاء، وأشرف إنسان يحيط بصره بكل الفضاء؛ فاجعل عليها من مداراتك الواقية، وأبق بها من حسن الأثر

<<  <   >  >>