التحكيم، وما ادعوا فيه التواتر من الأخبار، والتضافر على العمل به مما لم يوجد فيه نص وأجمعت عليه الأحبار، والتوجه تلقاء بيت المقدس إلى جهة قبلتهم، ومكان تعبد أهل ملتهم؛ والعمل بهذا جميعه بما شرعه موسى الكليم، والوقوف معه إذا ثبت أنه فعل ذاك النبي الكريم، وإقامة حدود التوراة على ما أنزل الله من غير تحريف، ولا تبديل لكلمة تأويل ولا تصريف، واتباع ما أعطوا عليه العهد، وشدوا عليه العقد، وأبقوا به ذماءهم، ووقوا به دماءهم، وما كانت تحكم به الأنبياء والربانيون، ويسلم إليه الإسلاميون منهم ويعبر عنه العبرانيون؛ كل هذا مع إلزامهم بما يلزمهم من حكم أمثالهم أهل الذمة الذين أقروا في هذه الديار، ووقاية أنفسهم بالخضوع والصغار، ومد رؤوسهم بالإذعان لأهل ملة الإسلام، وعدم مضايقتهم في الطرق وحيث يحصل الالتباس بهم في الحمام، وحمل شعار الذمة الذي جعل لهم حلية العمائم، وعقد على رؤوسهم لحفظهم عقد التمائم؛ وليعلم أن شعارهم الأصفر، موجب لئلا يراق دمهم الأحمر وأنهم تحت علم علامته آمنون، وفي دعة أصائله ساكنون؛ وليأخذهم بتجديد صبغه في كل حين، وليأمرهم بملازمته ملازمة لا تزال علائمها إلى رؤوسهم تبين، وعدم التظاهر بما يقتضي المناقضة، أو يفهم منه المعارضة، أو يدع فيه غير السيف وهو إذا كلم شديد العارضة، وله ترتيب طبقات أهل ملته من الأحبار فمن دونهم على قدر استحقاقهم، وعلى ما لا تخرج عنه كلمة اتفاقهم؛ وكذلك له الحديث في جميع كنائس اليهود المستمرة إلى الآن، المستقرة بأيديهم من حين عقد عهد الذمة ثم ما تأكد بعده بطول الزمان، من غير تجديد متجدد، ولا إحداث قدر متزيد، ولا فعل شيء مما لم تعقد عليه الذمة، ويقر عليه
سلفهم الأول سلف هذه الأمة، وفي هذا كفاية وتقوى الله وخوف بأسنا رأس الأمور المهمة).