صلى الله عليه وسلم إلى هرقل لأنه كان مجاورا لجزيرة العرب من قبل الشام، وعظيم بصرى كان عاملا له.
والريد فرنس: هو الملك الكبير المطاع، وإنما الأذفونش هو صاحب السطوة، وذكره أشهر في المغرب لقربه منهم وبعد الريد فرنس، إذ كانت مملكته وراء الأندلس شرقا، في الأرض الكبيرة ذات الألسن الكثيرة، وكرسي ملكه فرنسة، وكرسي ملك الأذفونش طليطلة. ومكاتباته متواصلة، والرسل بيننا وبينهما تنقطع على سوء مقاصده وخبث سره وعلانيته: أهدى مرة إلى السلطان سيفا طويلا وثةبا بندقيا وطارقة طويلة رقيقة تشبه النعش، وفي هذا ما لا يخفى من استفتاح باب الشر والتصريح المعروف بالكناية، فكان الجواب إرسال حبل أسود وحجر، أي أنه كلب إن قيد في الحبل وإلا رمي بالحجر.
وأما (الريد فرنس) فلا أذكر له إلا فرد رسول ورد، وأبرق وأحرق بناره وأرعد، جاء يطلب بيت المقدس، على أنه يفتح له ساحل قيسارية أو عسقلان، ويكون للإسلام بهما ولاة مع ولاته، والبلاد مناصفة، ومساجد المسلمين قائمة، وإدرارات قومهما دارة، على أنهه يبذل مائتي ألف دينار تعجل وتحمل في كل سنة نظير دخل نصف البلاد التي يتسلمها على معدل ثلاث سنين، ويطرف في سنة بغرائب التحف والهدايا. وحسن هذا كتاب من كتبة القبط، كانوا صاروا رؤوسا في الدولة بعمائم بيض وسرائر سود، وهم أعداء زرق، يجرعون الموت الأحمر، وعملوا على تمشية هذا القصد وإن سرى في البلدان هذا السم، وتطلب له الدرياق فعز، وقالوا: هذا مال جليل يتعجل! ثم ما عسى أن يكون منهم وهم نطفة في بحر، وحصاة في دهناء.