للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبلغ هذا أبي - رحمه الله - فآلى أن يجاهر في هذا، ويجاهد بما أمكنه، ويدافع بمهما قدر

عليه، ولو لاوى السلطان على رأيه إن أصغى إلى أولئك الأفكة، وقال لي: تقوم معي وتتكلم، ولو خضبت منا ثيابنا بدم، وراسلنا قاضي القضاة القزويني الخطيب، فأجاب وأجاد الاستعداد، فلما بكرنا إلى الخدمة وحضرنا بين يدي السلطان بدار العدل، أحضرت الرسل، وكان بعض أولئك الكتبة حاضرا، فاستعد لأن يتكلم، وكذلك استعدينا نحن، فما استتم كلامهم حتى غضب السلطان وحمي غضبه، وكاد يتضرم عليه حطبه، ويتعجل لهم عطبه، وأسكت ذلك المنافق بخزيته، وسكتنا نحن اكتفاءا بما بلغه السلطان مما رده بخيبته، فصد ذلك الشيطان، وكفى الله المؤمنين القتال، وردت على راميها النصال. وكان الذي قاله السلطان: (والكم! أنتم عرفتم ما لقيتم نوبة دمياط من عسكر الملك الصالح، وكان جماعة أفراد ملفقة مجمعة، وما كان هؤلاء بعد الترك وما كان يشغلنا عنكم إلا قتال التتار، ونحن اليوم بحمد الله صلح، نحن وإياهم من جنس واحد، ما يتخلى بعضه عن بعض، وما كنا نريد إلا الابتداء، فأما الآن فتحصلوا وتعالوا، وإن لم تجوا فنحن نجيكم ولو أننا نخوض البحر بالخيل؛ والكم صارت لكم ألسنة تذكر القدس! والله ما ينال أحد منكم ترابة إلا ما تسفيها الرياح عليه وهو مصلوب!) وصرخ فيهم صرخة زعزعت قواهم، وردهم أقبح رد، ولم يقرأ لهم كتابا، ولا رد عليهم سوى هذا جوابا.

وأما رسم المكاتبة إليه: (أطال الله بقاء الحضرة السامية حضرة الملك

<<  <   >  >>