للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحقوق الأخوية أمر إلهي يترتب عليه ثواب الدنيا والآخرة]

وتعالوا بنا نرى كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم غرس في فهم الصحابة معنى الأخوة، أو معنى الحب في الله، أو معنى أنك تعيش في مجتمع متعاون مع إخوانك، ففي الحديث اللطيف الذي أتى بروايات كثيرة، وكلها في البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي وغيرهم.

ففي رواية البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل سلامى عليه صدقة) والسلامى: هو العظم أو المفصل، وهناك حديث آخر يبين أن عدد المفاصل في الجسم ٣٦٠ مفصلاً، يعني: عليك كل يوم ٣٦٠ صدقة، ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة فقال: (كل يوم يعين الرجل في دابته يحامله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة)، أي: تساعد الرجل في أن يصعد على دابته، أو تحمل متاعه وترفعه فوق الدابة، ثم يقول: (والكلمة الطيبة صدقة)، وهذه الكلمة الطيبة صادرة لشخص وليست صادرة هكذا للهوى، فأنت تكلم إنساناً لا جماداً، ثم قال: (وكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة)، وهذا عمل من الأعمال الفردية، والمراد بذلك: أنه ذاهب إلى صلاة الجماعة، يعني: ذاهب يلتقي بالمسلمين، (ودل الطريق صدقة) أي: تدل التائه على الطريق الذي يريده.

فهذه هي روايات الحديث عند البخاري.

وهناك روايات أخرى غيرها، ففي رواية يقول: (يعدل بين الاثنين صدقة)، أي: تصلح بين اثنين متخاصمين صدقة، وفي رواية: (ويميط الأذى عن الطريق صدقة)، أي: تبعد الأذى عن طريق الناس صدقة، وفي رواية: (يعين ذا الحاجة الملهوف)، وفي رواية: (فليعمل المعروف وليمسك عن الشر فإنها له صدقة)، أيضاً هذا خير تعمله في الناس، أو شر تكفه عن الناس، وفي رواية: (تسليمه على من لقي صدقة)، وفي رواية: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة)، وفي رواية: (وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة) يعني: تدل الرجل الأعمى على طريقه أو تمسكه بيده وتأخذه إلى المكان الذي يسأل عليه صدقة، فكأن عينيك أصبحت بصراً له، وفي رواية: (وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة).

فهذه أعمال خيرٍ قالها الرسول صلى الله عليه وسلم مرة في مجلس، ومرة في مجلس آخر، والمهم أن الصدقة الحقيقية التي يمكن أن تدفعها عن أعضائك وعن النعم التي أعطاك إياها ربنا جل وعلا هي أن تساعد غيرك، وأن تشعر بمسئوليتك تجاه الناس الذين تعيش معهم، أو المجتمع الذي تعيش بداخله، أو الأمة التي تعيش فيها، وعند ذلك تخيل مجتمعاً يفقه الأخوة بهذه الصورة، على أنها اختبار وامتحان وبذل وعطاء ومجهود، وهذا فعلاً ما فقهه الصحابة من أن الأخوة مسئولية، وليست منافع ومصالح، أو أن معارفي كثيرة فسأستطيع أن أكسب كثيراً، لا، إنما المراد أنك ستشتغل للمسلمين كثيراً، وستضحي من أجلهم كثيراً، حتى يشفق عليك مَنْ ليس له إخوان يتعب من أجلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>