[حرص أبي هريرة على حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم]
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة.
يعني: الناس يستغربون من أن أبا هريرة يقول كل هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن أبا هريرة روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعة آلاف حديث، وكان إسلامه في السنة السابعة من الهجرة، أي: أنه لازم الرسول صلى الله عليه وسلم أربع سنوات فقط، وروى عنه هذا الكم الهائل من الأحاديث، بينما غيره من الصحابة قد يكون لازم الرسول صلى الله عليه وسلم عشرين سنة أو أكثر من عشرين سنة، ولم يرو عنه هذا الكم الهائل من الأحاديث.
يقول أبو هريرة رضي الله عنه: ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:١٥٩ - ١٦٠]، في الآيتين تحذير خطير جداً للذي يكتم آيات الله عز وجل، أو يكتم أي علم وصل إليه عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو هريرة بسبب هذا التحذير كان يقول كل معلومة عرفها من الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهنا
السؤال
لماذا كان أبو هريرة رضي الله عنه يعرف كل هذه الأحاديث وغيره من الصحابة لم يعرف هذا الكم الهائل منها؟ يفسر ذلك أبو هريرة فيقول: إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق -يعني: التجارة-، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني.
يعني: كنت أبقى مع النبي صلى الله عليه وسلم لا أفارقه وأكتفي من الأكل بما يشبعني، وقد كان أبو هريرة من أهل الصفة رضي الله عنهم أجمعين.
لكن قد يقول قائل: هل يمكن أن نترك أشغالنا وتجارتنا وأعمالنا ونقعد نتعلم الأحاديث ونتعلم السنة ونتعلم الشرع؟ أقول له: لا، لأن كل الصحابة لم يكونوا معتكفين على باب الرسول صلى الله عليه وسلم ليعرفوا منه الأحاديث، لكن كان أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه يسد ثغرة مهمة جداً ألا وهي نقل الأحاديث النبوية لوحده، فقد نقل لنا أكثر من سبعة آلاف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعدته هذه كانت مفيدة جداً للمسلمين، وهناك أناس سدت ثغرات أخرى، وهذا الذي نريده، أناس تسد ثغرات السنة، وأناس تسد ثغرات أخرى، وفي الأخير يتعاون الكل ويستفيد بعضهم من بعض.