[التوبة من قريب من السمات الأساسية للتوبة عند الصحابة رضوان الله عليهم]
لكن التوبة في حق الصحابة كانت تتميز بصفات وسمات رائعة فوق هذه الصفات الأساسية، يعني: زيادة على هذه الثلاثة الأشياء التي هي في حق الله سبحانه وتعالى، والشرط الرابع الذي يتعلق بما بين الآدميين من حقوق، فالأشياء هذه كانوا يعملونها كلها، لكن فوق هذا كان هناك سمات واضحة جداً لتوبة هؤلاء الناس، وسنذكر خمس سمات بمشيئة الله تعالى: السمة الأولى: التوبة من قريب، يعني: أنه لم يكن هناك إصرار على المعصية عند الصحابة، فإذا ضعف الصحابي فارتكب ذنباً رجع سريعاً وعاد إلى رشده وتاب إلى الله عز وجل، وهذا كان مما يوجب لهم المغفرة الكاملة من الله عز وجل، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار، وهناك مثل لطيف قاله الإمام الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين: إن قطرات الماء الصغيرة إن وقعت على حجر بصورة متتالية، وعلى فترة طويلة من الزمن، نقطة نقطة، فإنها تؤثر في الحجر وتترك فيه خرماً، بينما لو جمعت كل هذه القطرات التي هي نازلة على مدار السنة والسنتين والثلاث ثم سكبتها مرة واحدة على الحجر فإنها لا تؤثر فيه شيئاً.
إذاً لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار، لذلك فإن الله عز وجل يفتح باب التوبة باستمرار لكل البشر؛ حتى يعودوا إليه في الوقت الذي يذنبون فيه، ولا تؤجل توبتك إلى رمضان أو إلى الحج، أو إلى أن تبلغ في السن مبلغاً كبيراً، لا، فباب التوبة مفتوح في كل وقت.
روى الإمام مسلم رحمه الله عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها) يعني: الليل كله فرصة لمسيء النهار ليتوب، والنهار كل فرصة لتوبة مسيء الليل، حتى العلامة الأخيرة لقيام الساعة.
لذلك فإن الصحابة كانوا يعلمون أن التوبة المتقبلة حقاً هي التي يسرع بها الإنسان المخطئ إلى الله عز وجل، وذلك امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ}[النساء:١٧]، قال قتادة رحمه الله: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون كل ذنب هو جهالة، ثم قال تعالى:{ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}[النساء:١٧]، أي: بسرعة فلا يؤجلون التوبة، {فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[النساء:١٧ - ١٨].
إذاً أول سمة من سمات التوبة عند الصحابة أنهم كانوا يتوبون من قريب، فهم يقعون في أخطاء، وقد تكون هذه الأخطاء جسيمة، لكنهم يعودون سريعاً إلى الله عز وجل، وليس العيب أن نخطئ، لكن العيب كل العيب أن نصر على هذا الخطأ.