وهذه مشكلة وقع فيها الكثير من الناس، وهي مصيبة وكارثة أن يفتي الإنسان بغير علم، سواء في أمور الدين أو غيرها، فلا يجوز للمسلم أن يفتي بدون علم في أمور الإسلام أو في أمور الطب أو في أمور الزراعة أو في أمور التجارة أو حتى في وصف الطريق، كان يصف لشخص الطريق بالتخمين، فعلينا أن نتعلم كلمة:(لا أعلم)، وليس عيباً أن نقول: لا أعلم، لكن العيب الحقيقي هو الفتوى بغير علم، والصحابة قد تعلموا هذا النهج من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتخيلوا الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أعلم البشر وأحكم البشر لم يكن يتردد عن قوله: لا أعلم، إذا كان فعلاً لا يعلم.
فقد روى الإمام أحمد عن جبير بن مطعم رضي الله عنه:(أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي البلدان شر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا أدري، فلما أتاه جبريل عليه السلام قال: يا جبريل أي البلدان شر؟ قال: لا أدري حتى أسأل ربي عز وجل، فانطلق جبريل عليه السلام، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم جاء فقال: يا محمد إنك سألتني أي البلدان شر فقلت: لا أدري، وإني سألت ربي عز وجل: أي البلدان شر؟ فقال: أسواقها) فالأسواق تلهي الناس عن ذكر الله، ويكثر فيها الكذب والحلف على غير الحقيقة، ويكثر فيها الشحناء والبغضاء بين المسلمين، والفتنة بالمال، والاختلاط وأمور كثيرة، لكن الشاهد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه أحكم وأعلم البشر إلا أنه لم يتجرأ على الفتوى بغير علم، وكان صلى الله عليه وسلم يشدد النكير على من أفتى بغير علم من صحابته صلى الله عليه وسلم.
فقد روى أبو داود عن جابر رضي الله عنهما قال:(خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجّه، فنام فاحتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم، فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك) فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً وقال كلمة ثقيلة جداً: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال)، أي: أن الجاهل الذي لا يعلم شفاءه أن يسأل: (إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب) شك من أحد الرواة (على جرحه خرقه، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده) فالشاهد من القصة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم اتهم هؤلاء بقتل الرجل؛ لأنهم أفتوا بغير علم، وهذه قضية في منتهى الخطورة.