قال صلى الله عليه وسلم:(ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة)، أي: بفقير، معدم، معذب، مظلوم، مبتلى، مريض، محروم، مصاب في ماله وأهله وولده وعمله ووطنه، وفي كل شيء، فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له:(يا ابن آدم! هل رأيت بؤساً قط، هل مرت بك شدة قط؛ فيقول: لا والله يا رب! ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط)، فنسى البؤس والشقاء كله عند أول غمسة في الجنة.
فلماذا لا نشتغل للجنة؟ ولماذا لا نخاف من النار؟ إننا عندما نعرف حجم الجنة وحجم النار، وقيمة الجنة وخطورة النار؛ سنعرف لماذا حرام بن ملحان رضي الله عنه وأرضاه -الصحابي الجليل- قال هذه الكلمة العجيبة التي وقفت أفكر فيها كثيراً، كلمة في منتهى الغرابة، ففي البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:(لما طعن حرام بن ملحان رضي الله عنه وأرضاه يوم بئر معونة)، وفي رواية:(حتى أنفذه بالرمح)، يعني: أن الرمح اخترق الظهر وخرج من الصدر، قال:(الله أكبر! فزت ورب الكعبة)، فهل نفهم من هذا شيئاً؟ وأي فوز فازه هذا الصحابي الجليل؟! لقد فقد حياته في عرف الناس، لكنه فاز بالجنة التي تحدثنا عنها آنفاً، فاز بالنجاة من النار التي تحدثنا عنها أيضاً منذ قليل، تيقن من ذلك لما نفذ الرمح في جسده، فأيقن أنه ميت، وأنه سيأخذ ما وعد به النبي صلى الله عليه وسلم الشهيد، فالشهيد ينتقل من أرض المعركة إلى الجنة مباشرة، (يغفر للشهيد في أول دَفعة)، وفي رواية:(في أول دُفعة)، والروايتان صحيحتان.
هذا ما كان يريده حرام بن ملحان رضي الله عنه وأرضاه:(يغفر للشهيد في أول دفع)، {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}[آل عمران:١٨٥]، وهذا هو الفوز الحقيقي الذي فكر فيه حرام بن ملحان رضي الله عنه وأرضاه.
ولعلنا لا نعرف كل هذه المعاني العظيمة، ولعلنا لا نعرف الجنة ولا النار، فنريد أن نقرأ عن الجنة وعن النار، ونريد أن نعيش كأننا نعيش في الجنة، ونريد أن نخاف من النار وكأننا قريبون منها جداً، وذلك مثل خوف عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وأرضاه الذي تكلمنا عليه قبل قليل، وكان ذاهباً للجهاد في سبيل الله.