[حرص عقبة بن الحارث على التثبت في الأمر وطلب سنة النبي صلى الله عليه وسلم]
إن الصحابة الكرام لم يكن عندهم مانع من أن يقطعوا المسافات الكبيرة، ويجوبوا البلاد العديدة ليعرفوا رأي الرسول صلى الله عليه وسلم في قضية من القضايا.
ففي البخاري عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه وأرضاه الذي كان يسكن في مكة والرسول في المدينة، فتزوج ابنة لـ أبي إيهاب بن عزيز رضي الله عنه، فأتته امرأة فقالت له: إني قد أرضعتك وامرأتك.
فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني.
أي: أنا لم أكن أعرف أنك أرضعتني قبل هذا، ولم تخبريني بذلك قبل الزواج، فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وسأله، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:(كيف وقد قيل؟ ثم أمره أن يفارقها، ففارقها عقبة ونكحت زوجاً غيره).
الشاهد من ذلك هو حرص الصحابة الشديد على معرفة رأي الرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: أنا قد تزوجت وانتهى الأمر، ولم يكتف بسؤال أصحابه في مكة، لا، وإنما رحل من مكة إلى المدينة، وقطع (٥٠٠) كيلو في الصحراء ذهاباً وإياباً؛ من أجل أن يسأل عن مسألة واحدة؛ وذلك لأن المسألة مهمة وتستحق هذا السفر الطويل، وليس كل شخص يكون حريصاً على معرفة رأي الدين في أي مسألة، فكثير من الناس يأتون إلي ويسألونني عن مسائل في الطلاق أو الزواج، فتعرف منه حكايته وقصته، فمنهم من يسألك وهو قد طلق قبل هذا مرة ومرتين وثلاثاً، وهو لا يزال مع امرأته! فتسأله: كيف؟ فيقول لك: والله أنا سألت أحد معارفي فقال لي: أنت كنت غضبان عند طلاقك لزوجتك؟ فقلت: نعم، فقال لي: إذن لا تحسب طلقة.
فيأخذ الموضوع ببساطة، وهناك قضايا وأمور ضخمة جداً في حياة الناس يأخذونها ببساطة، وليس هذا هو الذي نريده، فنحن محتاجون لأن نبذل مجهوداً كبيراً حتى نعرف رأي الدين في كل قضية من القضايا، صغرت هذه القضية في أعيننا أم لا، ولا بد أن نعرف أنه ليس هناك حاجة اسمها صغيرة أو كبيرة، إنما هناك حاجة اسمها حلال وحاجة اسمها حرام، وهذا هو الذي نريد أن نفهمه وندرسه في حياة الصحابة.