أهو هو؟ فاستقبلانى بوجوه لم أرها قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إلىّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدى لا أجد لأحدهما مسا، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه فأضجعانى بلا قصر ولا هصر، فقال أحدهما لصاحبه: أفلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدرى ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أخرج الغل والحسد، فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها، فقال له: أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذى أخرج شبه الفضة ثم هز إبهام رجلى اليمنى فقال: أعد واسلم، فرجعت بها أعدو رقة على الصغير، ورحمة للكبير».
إن نعمة شرح الصدر، لرسول الله صلّى الله عليه وسلم جعلته أرحب الناس وأوسعهم صدرا لمعانى الإيمان واليقين والثقة فى نصر الله وتأييده، وجعلته أفسح الناس صدرا لوحى الله وأقواهم على تحمل تبعات الدعوة إلى ربه، وجعلته أرحم الناس بالناس وأرقهم ولذلك تأتى النعمة الثانية فى السورة الكريمة لتؤكد أن الله تعالى وضع عنه صلّى الله عليه وسلم ما أثقل ظهره من الأعباء الخطيرة فى دعوته للناس على غلظة الكثير منهم وعدائهم وكيدهم، فالأعباء مع انشراح الصدر يسيرة، أو كما ذكر بعض المفسرين: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) بمعنى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: ٢] وعلى المعنيين تكون النعمة جليلة وتخفف الأعباء. وتأتى النعمة الثالثة فى رفع ذكره صلّى الله عليه وسلم وهذا الرفع عطاء عظيم وتشريف وهو فى الوقت نفسه إعلاء لدعوته فذكره مرفوع يسمع به الجميع وآثار دعوته مشهودة للجميع. قال قتادة: رفع الله ذكره فى الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد، ولا صاحب صلاة إلا ينادى بها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» وذكر ابن جرير حديث أبى سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال:«أتانى جبريل فقال: إن ربى وربك يقول: كيف رفعت ذكرك؟، قال: الله أعلم، قال:
إذا ذكرت ذكرت معى».
وحكى البغوى عن ابن عباس ومجاهد: أن المراد بذلك الآذان يعنى ذكر فيه وأورد من شعر حسان بن ثابت رضي الله عنه:
أغرّ عليه للنبوة خاتم ... من الله من نور يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبى إلى اسمه ... إذا قال فى الخمس المؤذن أشهد
وشقّ له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
وقال آخرون: رفع الله ذكره فى الأولين والآخرين ونوه به حين أخذ الميثاق على