للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تفصيل ما تضمنته سورة العلق]

وتأتى الآيات بعد ذلك للردع والزجر لتذكّر بما سيصيب هؤلاء الطغاة فيقول الله تعالى: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩) [العلق].

فهذا ردع لأبى جهل ومنع له عن نهيه عن عبادة الله تعالى، وأمره بعبادة اللات وما يفهم من (كلا) كذلك: كلا لن يصل أبو جهل إلى ما يقول من أنه يقتل محمدا أو يطأ عنقه بل إن تلميذ محمد هو الذى يقتله ويطأ صدره. ومن المعانى التى قال بها مقاتل كذلك: كلا لا يعلم أن الله يرى وإن كان يعلم لكن إذا كان لا نفع بما يعلم فكأنه لا يعلم. ثم يقول تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ أى عما هو فيه مما سبق ذكره لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥)، والسفع له وجوه من المعانى منها: لنأخذنه بناصية، ولنسحبنه بها إلى النار، فيكون السفع هنا بمعني القبض على الشيء وجذبه بشدة، ومثال ذلك قوله تعالى: فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) [الرحمن]، ومنها السفع الضرب أى لنلطمن وجهه ومنها: لنسودن وجهه قال الخليل: تقول للشيء إذا لفحته النار لفحا يسيرا يغير لون البشرة: قد سفعته النار، قال: والسفع: ثلاثة أحجار يوضع عليها القدر، سميت بذلك لسوادها، قال: والسفعة: سواد فى الخدين، وبالجملة فتسويد الوجه علامة الإذلال والإهانة. ومنها: لَنَسْفَعاً قال ابن عباس فى قوله تعالى: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦) [القلم] إنه أبو جهل ومنها: لنذلنه.

وهذا التهديد لهذا الطاغية من الله- جل فى علاه- جزاء وفاقا، ويذيقه للطغاة فى الدنيا والآخرة، وإن كانت الآخرة أشد وأبقى، فالسفع- هنا- لهذا الطاغية يحتمل أن يكون المراد منه إلى النار فى الآخرة، وأن يكون المراد منه في الدنيا وذلك لما يلى:

أولا: ما روى من أن أبا جهل لما قال: إن رأيته يصلى لأطأن عنقه، فأنزل الله هذه الآيات، وأمر جبريل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يقرأ على أبى جهل ويخر لله ساجدا فى آخرها، ففعل فقدم إليه أبو جهل ليطأ عنقه، فلما دنا منه نكص على عقبيه راجعا،

<<  <   >  >>