ومع روضة جديدة من رياض الذكر الحكيم مع سورة «المزمل» والتى نزلت بعد سورة «القلم»، وهى مكية كلها فى قول الحسن وعكرمة وجابر، وأما ابن عباس وقتادة فيستثنيان آيتين منها وهما قوله تعالى: وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (١٠) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (١١)[المزمل].
كما يروى الإمام أحمد رحمه الله فى مسنده ما ذكره سعيد بن هشام من أسئلته لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث قال:«قلت: يا أم المؤمنين أنبئينى عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان القرآن فهممت أن أقوم ثم بدا لى قيام رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قلت: يا أم المؤمنين أنبئينى عن قيام رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قالت: ألست تقرأ هذه السورة «يا أيها المزمل»؟ قلت: بلى.
قالت: فإن الله افترض قيام الليل فى أول هذه السورة فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله تحتها فى السماء اثنى عشر شهرا ثم أنزل الله التخفيف فى آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعا من بعد فريضة.
فهممت أن أقوم ثم بدا لى وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقلت: يا أم المؤمنين أنبئينى عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ثم يتوضأ ثم يصلى ثمانى ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيجلس ويذكر ربه تعالى ويدعو ثم ينهض وما يسلم، ثم يقوم ليصلى التاسعة ثم يقعد فيذكر الله وحده ثم يدعوه، ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلى ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم فتلك إحدى عشرة ركعة يا بنى، فلما أسنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع، ثم صلى ركعتين وهو جالس بعد ما سلم فتلك تسع. يا بنى وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا أثقله عن قيام الليل نوم أو وجع أو مرض صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة، ولا أعلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله فى ليلة حتى أصبح، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان» «١». روى ذلك الإمام أحمد بتمامه، وقد أخرجه الإمام مسلم فى صحيحه من حديث قتادة نحوه.