فمع روضة جديدة من رياض القرآن الكريم مع سورة «المسد» وقد نزلت بعد سورة الفاتحة التى جمعت الأصول العامة، ووجهت إلى الثناء الحسن الجميل على الخالق العظيم رب العالمين الرحمن الرحيم من له الآخرة الأولى، وإياه نعبد، وبه وحده نستعين، ومنه تطلب الهداية إلى ما عرفنا من طريق مستقيم، طريق من أنعم الله عليهم وأن يجنبنا طريق من ضل وطريق من غضب الله عليهم، وعلى ذلك فإن معالم الدعوة صارت واضحة، وإن أصناف الناس صارت معلومة فمنهم المهتدون، ومنهم المشركون، ومنهم الضالون، ومنهم من غضب الله عليهم، وعلى ذلك يستطيع المسلمون أن يعرفوا من أين يأتيهم الخطر، وكيف تكون التحديات.
وتنزل سورة «المسد» وعيدا وتهديدا لمن يقف فى طريق الدعوة وتقريرا لوقوع الهلاك الحتمى بمن توعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ظلما وعدوانا، كما تبين أن هذا التحدى قد يكون من أقرب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهذا من دلائل عالمية الدعوة، وإدراك الناس لهذه الحقيقة، فلو كانت دعوة قبلية، أو محدودة ما توقع أحد أن يقف عم للنبى صلّى الله عليه وسلم فى وجهه وأن يقول له تبا لك، وأن يجند ماله وأهله فى محاربة رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
روى البخارى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبى صلّى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى «يا صباحاه» فاجتمعت إليه قريش فقال: «أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوننى؟» قالوا: نعم، قال:«فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد»، فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا، تبا لك، فأنزل الله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)، وفى رواية فقام ينفض يديه وهو يقول: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) الأولى دعاء عليه والثانية خبر عنه. ومن دلائل الإعجاز فى هذه السورة الكريمة وجود هذا الإخبار عنهما بالشقاء وعدم الإيمان، والاستمرار على ذلك فلم يؤمنا ولم يؤمن واحد منهما لا باطنا ولا ظاهرا، لا مسرا ولا معلنا فكان هذا كما يقول ابن كثير رحمه الله: من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة.
وأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلّى الله عليه وسلم واسمه عبد العزى بن عبد المطلب،