وبعد سورة «يس» وما قدمته من إحياء القلوب بالقرآن كما تحيا الأرض بالغيث، وإحياء الناس بعد الموت وحال الناس مع هذا الكتاب الحكيم، تنزل سورة الفرقان لتفصّل القول فى التوحيد فهو الأهم، وهو الأساسى وكذلك تفصّل القول فى النبوة وتصحح مفهومها للناس ثم فى المعاد وما يتعلق به، فسورة الفرقان مكية كلّها فى قول الجمهور، وقال ابن عباس وقتادة: إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة وهى قوله تعالى:
وقد أخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أى الذنب أكبر؟ قال:«أن تجعل لله ندا وهو خلقك». قلت: ثم أى؟ قال:
«أن تزانى حليلة جارك»، فأنزل الله تصديق ذلك: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ، وأخرجا وغيرهما أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناسا من أهل الشرك قد قتّلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمدا صلّى الله عليه وسلم: فقالوا: إن الذى تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أنّ لما عملنا كفارة، فنزلت وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ الآية، ونزلت: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ... الآية [الزمر: ٥٣]. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما نزلت وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الآية اشتد ذلك على المسلمين، فقالوا: ما منا أحد إلا أشرك وقتل وزنى، فأنزل الله: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ... الآية، يقول لهؤلاء الذين أصابوا هذا فى الشرك، ثم نزلت هذه الآية: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ فأبدلهم الله بالكفر الإسلام، وبالمعصية الطاعة، وبالإنكار المعرفة، وبالجهالة العلم، وأخرج ابن المنذر والطبرانى وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قرأناها على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم سنين: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) ثم نزلت: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ فما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرح بشيء قط فرحه بها وفرحه ب إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.