وهى مكية بلا خلاف نزلت بعد سورة القدر، لتفتح النفوس على ما يزكيها، فتبدأ السورة الكريمة بالقسم، والقسم- هنا بآيات كونية باهرة لها صلة وثيقة بما تضمنته السورة من مسألة جديرة بالعناية والاهتمام، إنها مسألة تزكية النفس التى تقترن بفلاح صاحبها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠) فالفلاح والخيبة مرتبطان بتزكية النفس ودسّها والنجاة من دسها وسبيل تزكيتها فى وحى الله الذى جاء ذكره ووصفه فى السور القريبة السابقة فى سورة النجم وفى سورة عبس وفى سورة القدر ورسول الله صلّى الله عليه وسلم بما جاء به من عند ربه يقوم بهذه التزكية: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤)[آل عمران].
وإذا كانت الشمس فى ضوئها وإشراقها يتلوها قمر له ضياؤه ونوره، ويجليها نهار، ويغشاها ليل فيذهب بضوئها، فإنها آيات باهرة تغمر الإنسان وتحيط به وينعم بها وتورث فى نفس المتأمل لها الحبّ لبارئها والخشية منه وفى الوقت نفسه تنبه له أن نفسه يعتورها من الحالات ما تكون معها نفسها زكية، وما تكون معها نفسا خبيثة فليتعرف على طريق التزكية، ومنها: الإقبال على آيات الله القرآنية ليعمل بها ويزكى بها نفسه، وعلى آيات الله الكونية فيتأملها ومنها: مع الآيات السابقة السماء والأرض وآيات القدرة فيها من البناء والبسط، وليستعين بالله فى ذلك على تزكية نفسه كما كان يقول رسول الله فى دعائه:«اللهم آت نفسى تقواها، وزكّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها» يقول الله تعالى فى بيان ذلك: وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤) وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠).
وفى هذا بيان مبكر أيضا للإنسان بمسئوليته عن نفسه، وأنها مهيأة للطريقين ومن فضل الله على الإنسان أن يسر له سبل التزكية وأعان من سلكها، فالنفس خلقت فى