ونتناول مرتبة أخرى وهى ما أوحاه الله سبحانه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم وهو فوق السموات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها.
وهذه المرتبة تبين لنا فضل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وعظيم قدرة الله تبارك وتعالى:
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١)[الإسراء]. وقد تواترت الروايات فى حديث الإسراء ووصف ما حدث تفصيلا عن عمر بن الخطاب وعلىّ وابن مسعود وأبى ذر ومالك بن صعصعة وأبى هريرة وأبى سعيد وابن عباس وشداد بن أوس وأبىّ بن كعب وعبد الله بن عمرو وجابر وحذيفة وأبى أيوب وأبى أمامة وسمرة بن جندب وصهيب الرومى وأم هانئ وعائشة وأسماء رضي الله عنهم أجمعين، منهم من ساقه بطوله، ومنهم من اختصره على ما وقع فى المسانيد وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون، وأعرض عنه الزنادقة والملحدون، ذكر ذلك الحافظ أبو الخطاب عمر بن وهب بعد ذكره حديث الإسراء من طريق أنس.
ومن مجموع هذه الأحاديث التى جمعها الإمام ابن كثير فى تفسيره يحصل مضمون ما اتفقت عليه من مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، وأنه مرة واحدة قبل الهجرة، وأنه كان يعطيه الزمام راكبا على البراق. فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب، ودخله فصلى فى قبلته تحية المسجد ركعتين، ثم أتى بالمعراج وهو كالسلم ذى درج يرقى فيها، فصعد فيه إلى السماء الدنيا، ثم إلى بقية السموات السبع، فتلقاه من كل سماء مقربوها، وسلم على الأنبياء الذين فى السموات بحسب منازلهم ودرجاتهم حتى مر بموسى الكليم فى السادسة وإبراهيم الخليل فى السابعة، ثم جاوز منزلتيهما صلى الله وسلم عليهما وعلى سائر الأنبياء، حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام بما هو كائن، ورأى سدرة المنتهى وقد غشيها من أمر الله تعالى ما غشيها، ورأى هناك جبريل على صورته، ورأى البيت المعمور، وإبراهيم الخليل- بانى الكعبة الأرضية- مسندا ظهره إليه؛ لأنه الكعبة السماوية يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، ورأى الجنة والنار وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين، ثم خففها إلى خمس، رحمة منه ولطفا بعباده، ثم هبط إلى بيت المقدس، وهبط معه الأنبياء فصلى بهم فيه لما حانت