وبعد هذه الآيات الكريمة تنزل سورة «ص» لتستمر فى كشف مواقف الكافرين وتهديدهم، وبيان ما حدث لمن كان قبلهم. فهى سورة مكية فى قول الجميع، ونزلت بعد القمر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة «ص» بمكة «١»، وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذى وصححه والنسائى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس قال: لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل، فقال: إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول، فلو بعثت إليه فنهيته، فبعث إليه، فجاء النبى صلّى الله عليه وسلم فدخل البيت، وبينهم وبين أبى طالب قدر مجلس رجل، فخشى أبو جهل أن يجلس إلى أبى طالب ويكون أرقى عليه فوثب، فجلس فى ذلك المجلس، فلم يجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمه، فجلس عند الباب، فقال له أبو طالب: أى ابن أخى ما بال قومك يشكونك؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم. وتقول وتقول، قال: وأكثروا عليه من القول، وتكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال:«يا عم إنى أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدّى إليهم بها العجم الجزية»، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقال القوم: كلمة واحدة نعم وأبيك عشرا، قالوا: فما هى؟ قال:«لا إله إلا الله»، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم، وهم يقولون- أجعل الآلهة إلها واحدا إنّ هذا لشىء عجاب- فنزل فيهم: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨)«١».
فالسورة الكريمة تبرز جانبا من أسباب الكفر والعناد لدى الكفار وذلك لمعرفة حالتهم