وبعد سورة الواقعة وما تضمنته من المعانى التى تؤسس اليقين فى القلوب نحو اليوم الآخر، وتأخذ بالعقول للتفكير فى آيات الله الكونية، وما يكون من وقع الموت بالإنسان ومصيره فى الآخرة تنزل سورة الشعراء، لتدعم اليقين، فى آيات الكتاب المبين، وكيف حفظه من أنزله سبحانه على قلب رسوله صلّى الله عليه وسلم، وتبيّن موقف الناس منه، وما تضمنه من وجوه الإعجاز، وتنزهه عن المشابهة بكلام البشر، فسورة الشعراء مكية عند الجمهور وقال مقاتل: منها مدني؛ الآية التى يذكر فيها الشعراء، وقوله تعالى:
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧) وقال ابن عباس وقتادة: مكية إلا أربع آيات منها نزلت بالمدينة «١» وهى قوله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧).
وتبدأ السورة الكريمة بالحديث عن القرآن الكريم، وأنه كتاب مبين ولكنّ موقف الناس منه عجيب فقد كذّب به- مع وضوحه- فريق منهم، وهذا الموقف أحزن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حزنا شديدا.
وهم بهذا الإعراض مع التكذيب والاستهزاء يعرّضون أنفسهم لعذاب الله، قال تعالى: طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦).
فهؤلاء الذين كذبوا بآيات الله مع وضوحها عمى عن آيات الله الكونية، لم يفتحوا عيونهم ليروا تحت أقدامهم الأرض، وما أنبت الله فيها من كل زوج بهيج ليكون فى هذا النظر فتح لقلوبهم، قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩).