الأول: يرى أن ترتيب السور كلها بتوقيف من النبى صلّى الله عليه وسلم كترتيب الآيات القرآنية تماما، وأنه لم توضع سورة فى مكانها إلا بتوجيه منه- عليه الصلاة والسلام- ويستدل أصحاب هذا القول بما يلى:
إن الصحابة أجمعوا على المصحف الذى كتب فى عهد عثمان ولم يخالف منهم أحد رضوان الله عليهم، وإجماعهم لا يكون إلا إذا كان الترتيب الذى أجمعوا عليه عن توقيف، ولأنه لو كان عن اجتهاد لتمسك أصحاب المصاحف المخالفة بمخالفتهم، لكنهم لم يتمسكوا بترتيبهم بل عدلوا عنه، وأحرقوا الصحف التى كانت معهم، ورجعوا إلى مصحف عثمان وترتيبه.
وذكر أصحاب هذا القول روايات تؤيد هذا الإجماع؛ منها ما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن حذيفة الثقفى قال: كنت فى الوفد الذين أسلموا من ثقيف- وجاء فى هذه الرواية- فقال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«طرأ علىّ حزب من القرآن فأردت ألا أخرج حتى أقضيه» فسألنا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم قلنا: كيف تحزّبون القرآن؟ قالوا نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة، وحزّب المفصل من «ق» حتى تختم. قالوا: فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو فى المصحف الآن كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، واحتجوا كذلك بأن السور المتجانسة فى القرآن لم يلتزم فيها الترتيب والولاء، ولو كان الأمر بالاجتهاد للوحظ مكان هذا التجانس والتماثل دائما، لكن ذلك لم يكن بدليل أن سور المسبّحات لم ترتب على التوالى بينما هى متماثلة فى افتتاح كل منها بتسبيح الله. بل فصل بين سورها بسور «قد سمع»، و «الممتحنة»، و «المنافقون»، وبدليل أن «طسم الشعراء» و «طسم القصص» لم يتعاقبا مع تماثلهما، بل فصل بينهما بسورة أقصر منهما وهى «طس» وأيد هذا المذهب أبو جعفر النحاس فقال: والمختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله صلّى الله عليه وسلم لحديث واثلة: «أعطيت مكان التوراة السبع الطوال»، وكذلك انتصر أبو بكر الأنبارى لهذا المذهب فقال: أنزل الله القرآن إلى سماء الدنيا ثم فرقه فى بضع