وعشرين سنة فكانت السورة تنزل لأمر يحدث، والآية جوابا لمستجد، ويوقف جبريل النبى صلّى الله عليه وسلم على موضع السورة والآيات والحروف كله من النبى صلّى الله عليه وسلم فمن قدم سورة أو أخرها أفسد نظم القرآن.
وأخرج ابن أشتة فى كتاب المصاحف من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال قال: سمعت ربيعة يسأل: لم قدمت البقرة وآل عمران وقد أنزل قبلهما بضع وثمانون سورة بمكة وإنما أنزلتا بالمدينة؟ فقال: قدمتا وألف القرآن على علم من ألفه به إلى أن قال: فهذا مما ينتهى إليه ولا يسأل عنه.
ويناقش أصحاب هذا القول بأن الرواية التى ساقوها وأمثالها خاصة بمحالّها، فلا ينسحب حكم التوقيف على الكل. ثم هى ظنية فى إفادة كون الترتيب عن توقيف، وأن حديث ابن عباس والذى جاء فيه قوله: قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهى من المثانى وإلى براءة وهى من المئين ففرقتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما «بسم الله الرحمن الرحيم» ووضعتموها فى السبع الطوال؟ فقال عثمان رضي الله عنه: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم تنزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا أنزل عليه شىء دعا بعض من يكتب فيقول: «ضعوا هذه الآيات فى السورة التى يذكر فيها كذا وكذا»، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر «بسم الله الرحمن الرحيم» ووضعتهما فى السبع الطوال، فهذا الحديث من ابن عباس صريح فى أن عثمان قد اجتهد فى ترتيب الأنفال والتوبة ويونس.
كما يناقش أصحاب هذا القول بأن الإجماع الذى استندوا إليه لا يدل علي توقيف فى ترتيب جميع السور؛ لأنه لا يشترط أن يسند الإجماع إلى نص فى ترتيب جميع السور، فحسب الصحابة أن يحملهم الاجتهاد الموفق على أن يجمعوا على ترتيب عثمان للسور ويتركوا ترتيب مصاحفهم، توحيدا لكلمة الأمة، وقطعا لعرق النزاع والفتنة إذا ترك كلّ ورأيه فى هذا الترتيب.
وأما القول الثانى: فيرى أصحابه أن ترتيب بعض السور كان بتوقيف من النبى صلّى الله عليه وسلم، وترتيب بعضها الآخر كان باجتهاد من الصحابة، وقد ذهب إلى هذا