ومع روضة من روضات القرآن الكريم من سورة «الشرح» التى نزلت بعد سورة الضحى فى مكة المكرمة، وقد مر بنا ما منّ الله به على رسوله صلّى الله عليه وسلم فى مواجهة أعدائه وحربهم النفسية حيث جاء فى جواب القسم القرآنى ما يفيد أن الله تعالى ما ودعك وما قلاك كما زعم أعداؤك، وأن العاقبة لك فى الأمور كلها وأن الآخرة خير لك من الأولى، وأن الله سيرضيك بعطائه الذى لا ينفذ، وأن مظاهر هذه النعم يشاهدها هؤلاء الأعداء فهم يعرفونك ويعرفون نشأتك، وكيف آواك الله من يتم، وكيف هداك، وكيف أغناك، فهذه جملة من النعم والعطايا تستوجب شكر المنعم فى القيام بالأعمال الصالحة التى من جنسها فى المسح على قلوب اليتامى، وعدم قهرهم وتسليمهم لضوائق اليتم المتوقعة، وفى إشباع حاجات السائلين وعدم نهرهم، وفى التحدث العام بنعمة الله التى لا تعد ولا تحصى، ولا يدرك الإنسان عظيم حجمها وجليل فضلها.
وتنزل سورة الشرح لتفصل مجموعة جليلة أخرى من النعم التى منّ الله بها على رسوله صلّى الله عليه وسلم ليرفع عنه المعاناة الشديدة فى مواجهة قوم تربصوا به وبدعوته ولم يألوا جهدا فى محاولة تعويق تبليغه، والكيد له. فيقول الله تعالى لرسوله صلّى الله عليه وسلم فى أسئلة سورة الشرح: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨).
فنعمة شرح الصدر من أجلّ النعم فى مواجهة ما يثقل كاهل الإنسان فى هذه الحياة من الناس والأحداث، فالله شرح لرسوله صدره ونوّره وجعله فسيحا رحيبا واسعا، فماذا يصنع الكيد مع من شرح الله صدره؟ وشرح الصدر يشمل الشرح المعنوى، وكذلك الشرح الذى ورد فى رواية أبى بن كعب رضي الله عنه والتى ذكرها عبد الله ابن الإمام أحمد رحمه الله، وأوردها ابن كثير فى تفسيره وفيها: أن أبا هريرة رضي الله عنه كان جريئا على أن يسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره، فقال: يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله صلّى الله عليه وسلم جالسا وقال: «لقد سألت يا أبا هريرة، أنى فى الصحراء ابن عشر سنين وأشهر. وإذا بكلام فوق رأسى، وإذا رجل يقول لرجل