فقيل له: ما لك؟ قال: إن بينى وبينه فحلا فاغرا فاه لو مشيت إليه لالتقمنى.
ثانيا: إن الله تعالى مكن المسلمين من ناصيته يوم بدر لما لم ينته عن غيه وطغيانه، فروى أنه لما نزلت سورة الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: من يقرؤها منكم على رؤساء قريش، فتثاقلوا مخافة أذيتهم فقام ابن مسعود وقال: أنا يا رسول الله فأجّله الرسول صلّى الله عليه وسلم ثم قال: من يقرؤها عليهم؟ فلم يقم إلا ابن مسعود، ثم ثالثا كذلك إلى أن أذن له، وكان صلّى الله عليه وسلم يبقى عليه لما كان يعلم من ضعفه وصغر جسمه، ثم إنه وصل إليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة، فافتتح قراءة السورة فقام أبو جهل فلطمه فشق أذنه ورماه، فانصرف وعيناه تدمع، فلما رآه النبى- عليه الصلاة والسلام- رق قلبه، وأطرق رأسه مغموما فإذا جبريل عليه السّلام يجيء ضاحكا مستبشرا فقال: يا جبريل تضحك وابن مسعود يبكى؟ فقال: ستعلم، فلما ظهر المسلمون يوم بدر التمس ابن مسعود أن يكون له حظ فى المجاهدين، فأخذ يطالع القتلى، فإذا أبو جهل مصروع يخور، فخاف أن تكون به قوة فيؤذيه فوضع الرمح فى منخره من بعيد فطعنه، دليل هذا قوله تعالى: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)[القلم]، ثم لما عرف عجزه، ولم يقدر أن يصعد على صدره لضعفه فارتقى إليه بحيلة، فلما رآه أبو جهل قال: لقد ارتقيت مرتقى صعبا، فقال ابن مسعود: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فقال أبو جهل: بلغ صاحبك أنه لم يكن أحد أبغض إلىّ منه فى حياتى، ولا أحد أبغض إلىّ منه حال مماتى، فروى أنه- عليه الصلاة والسلام- لما سمع ذلك قال:
«فرعونى أشد من فرعون موسى، فإنه قال: آمَنْتُ [يونس: ٩٠] وهو قد زاد عتوا»، ثم قال أبو جهل لابن مسعود: اقطع رأسى بسيفى هذا؛ لأنه أحد وأقطع، فلما قطع رأسه لم يقدر على حمله فشق أذنه وجعل الخيط فيه وجعل يجره إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وجبريل بين يديه يعلمه ويقول: يا محمد أذن بأذن، ولكن الرأس هاهنا مع الأذن.
ثالثا: أخرج الترمذى وغيره عن ابن عباس قال: كان النبى صلّى الله عليه وسلم يصلى فجاءه أبو جهل، فقال: ألم أنهك عن هذا؟ فزجره النبى صلّى الله عليه وسلم، فقال أبو جهل: إنك لتعلم ما بها ناد أكثر منى، فأنزل الله فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨)[العلق] قال الترمذى: حسن صحيح، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لو دعا ناديه لأخذته الزبانية من ساعته معاينة، وقيل هذا إخبار من الله تعالى بأنه يجر فى الدنيا كالكلب، وقد فعل به