ونزول سورة العصر مع تزايد عدد الجماعة المسلمة فى مكة المكرمة ليرسى دعائم هذه الجماعة على الأسس القويمة من الإيمان الذى هو صلاح الجنان بسلامة الاعتقاد وصلاح اللسان النطق بكلمة التوحيد والطيب من الأقوال، وصلاح للجوارح لسعيها الموافق لما وقر فى القلب ونطق به اللسان فالإيمان اعتقاد بالجنان ونطق باللسان وعمل بالجوارح. كما تؤسس الجماعة على العمل الصالح الذى يدخل فى هذا الإيمان وبه يزيد وينقص. وهذا التأسيس على الإيمان يجعل العمل الصالح ابتغاء مرضاة الله، ويجعله موافقا لما يتنزل من وحى الله على رسوله صلّى الله عليه وسلم ليكون مقبولا عند الله. ثم تؤسس الجماعة هذه بعد ذلك على التواصى بالحق، والتواصى بالصبر، وإن كان هذا التواصى يدخل فى عموم الأعمال الصالحة إلا أنه لأهميته فى الجماعة المسلمة يخص بعد العموم ولأن هذه الجماعة فى حاجة إلى التواصى بهذا الحق ليزيد تمسكها به وسط المحن والتحديات ولتستمر النفوس المؤمنة على ثباتها فلا تجزع ولا تيأس إذا اشتدت الخطوب فالتواصى أن يوصى بعضهم بعضا بالحق والحق كلمة جامعة لكل ما كان ضد الباطل؛ ولذلك يعد هذا التواصى أساسا للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الذى لا بدّ منه لتهيئة المناخ السليم للجماعة المسلمة «١».
وقيل: الحق: هو القرآن لشموله على كل أمر ونهى وكل خير قال تعالى:
وقد جاءت آيات فى كتاب الله تعالى تدل على أن الوصية بالحق تشمل الشريعة كلها، أصولها وفروعها، ماضيها وحاضرها من ذلك ما أوحى الله به إلى الأنبياء عموما، من نوح وإبراهيم ومن بعدهم فى قوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى: ١٣].
وإقامة الدين القيام به جميعا، وكانت هذه وصية الرسل لأممهم ومن بعدهم،