ولما أراد أن يبقى عمر ليساعده فى شئون الأمة يقول الخليفة لأسامة قائد الجيش وعمر أحد جنوده: إن رأيت أن تعيننى بعمر فافعل رضي الله عنهم أجمعين.
كان التعليم بالموقف مبكرا وكان التوجيه القولى والعملى مستمرا.
ومما تضمنته سورة عبس من المعانى الكريمة بعد الموقف التربوى التعليمى فى إعلاء الرجل الأعمى بتقواه وخفض وجهاء القوم باستغنائهم وإعراضهم- يأتى التوجيه بأن هذا الموقف وهذه الآيات وهذا القرآن الكريم تذكرة موجهة إلى الجميع فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) وأقبل عليه واستجاب له إنه فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ
(١٦).
وبعد هذا العرض يأتى قوله تعالى فى بيان نوعية من الناس تحرم من الخير بعد أن يصل إليها وتنقلب على عقبها فقال تعالى: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣) أى لعن وعذّب هذا الإنسان الكافر. روى الضحاك عن ابن عباس قال: نزلت فى عتبة بن أبى لهب وكان قد آمن، فلما نزلت «والنجم» ارتدّ، وقال: آمنت بالقرآن كلّه إلا النجم، فأنزل الله جل ثناؤه فيه «قتل الإنسان» أى لعن عتبة حيث كفر بالقرآن، ودعا عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال:«اللهم ابعث عليه كلبك يأكله» فخرج من فوره بتجارة إلى الشام فلما انتهى إلى الغاضرة تذكر دعاء النبى صلّى الله عليه وسلم، فجعل لمن معه ألف دينار إن هو أصبح حيا، فجعلوه فى وسط الرّفقة، وجعلوا المتاع حوله، فبينما هم على ذلك أقبل الأسد، فلما دنا من الرجال وثب، فإذا هو فوقه فمزقه، وقد كان أبوه ندبه وبكى وقال: ما قال محمد شيئا قط إلا كان.
وهذا الفريق الكافر المعاند بكبره ... ألا ينظر إلى خلقه حتى يستحيى ولا يتكبر إنه خلق من ماء مهين، وفى مكان ضيق، ويسره الله للخروج إلى الحياة ثم أماته وأدخله القبر والإنسان يشاهد كل هذا فلا ينبغى أن يكذب بما يعده من نشور. وإن دخله شك واستبعاد فلينظر إلى من حفظ له حياته ونماءه بعد أن أخرجه من بطن أمه إنه هو الذى أمده بالطعام فلينظر إلى مظاهر قدرة الله فى هذا الطعام، وأن الذى أحيا الأرض وأخرج الطعام لكم ولأنعامكم هو الذى سيحييكم فلا مجال للكبر ولا مجال للتفاخر، ولا ينبغى أن يكون الكبر بالمال والعصبية عائقا عن الهداية فإن هذه المظاهر لا