وقد اختار الله لإنزال كتابه الوقت الذى جاء وصفه فى قوله تعالى: حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)[الدخان] وفى قوله جل شأنه: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)[القدر]. وفى قوله سبحانه: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ [البقرة: ١٨٥] فالليلة التى أنزل فيها القرآن الكريم ليلة مباركة، وهى ليلة القدر، وهى خير من ألف شهر، وهى فى شهر رمضان وهو الشهر الكريم المبارك.
إن هذا التنزيل الذى وصف معه المنزّل سبحانه بما عرفنا ووصف المنزّل عليه، ووصف المنزّل، شد انتباه المنزّل إليهم ليتدبروا هذا الذكر الذى فيه خيرهم، وفيه سعادتهم وشرفهم. فماذا جاء بشأن المنزل من أجلهم؟ وما مراحل تنزلات القرآن الكريم حتى وصل إلى قلب النبى صلّى الله عليه وسلم؟
يقول الله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد: ١٦] وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠)[الأنبياء]، وقال تعالى: الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١)[إبراهيم]، فالذين أنزل من أجلهم الكتاب عليهم أن يحسنوا فى تلقيه وذلك بالإيمان به إيمانا تخشع به القلوب لذكر الله وما نزل من الحق. وينطلق به المؤمن للعمل بهذا الكتاب الذى أنزل من أجله ليحل حلاله، ويحرم حرامه، وليقيم الصلاة، ويؤتى الزكاة، ويتعظ به سلوكه فى الإيمان باليوم الآخر وكل ما جاء فيه من أنباء الغيب.
والإنسان بهذا الإيمان وتلك الاستقامة يخرج بإذن الله من الظلمات إلى النور وكفى بذلك شرفا وتكريما لمن كان له عقل إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ