ولما ذكر فى الآيات السابقة ما كان من أصحاب الشمال من التكذيب بيوم الدين، وما يحدث فيه، وما يتبع ذلك من عدم استقامة المكذب فى التعلق بالدنيا والاشتغال فيها بالباطل وارتكاب كبائر الذنوب، كانت الآيات الكريمة بعد ذلك معينة على سبيل الاستقامة وذلك بعرض مجموعة من آيات الله الكونية المشاهدة، والتى تتناول خلق الإنسان وأصله ونهايته، وما يكون من الزرع الذى لا غنى له عنه، والماء الذى يشربه وكيف ينزله الخالق المنعم سبحانه عذبا فراتا برحمته، والنار التى تشاهد وينتفع بها.
كل هذه الآيات المشاهدة للإنسان تنطق بعظيم قدرة خالقها جل جلاله فإذا تأملها الإنسان آمن بأنه سبحانه على كل شىء قدير فلا يستكثر الإنسان أن يعيده الله سبحانه مرة أخرى بعد أن يموت ويكون ترابا وعظاما، وأن يحاسبه على ما قدم، قال تعالى: نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ
وهذا التدبر والتأمل فى آيات الله الدالة على قدرته سبحانه، وعلى عظيم نعمه تورث فى القلب اليقين، وحسن التلقى لآيات الكتاب العزيز.
ومما تضمنته سورة الواقعة من المعانى على ترتيب نزولها من تقدم الآيات الكريمة ما يعين الإنسان على بلوغ اليقين من تأمله وتدبره فى آيات الله الكونية، والتى يعيش فيها وينعم بها ولا يستطيع الحياة بدونها. فإذا بلغ الإنسان هذا اليقين بهذه المشاهدة وجد القسم الذى يزيده يقينا فى كتاب الله سبحانه، وأنه كلامه الذى يعتز الإنسان به وأنه محفوظ ممن نزله سبحانه وعلى هذا تكون قوة المؤمنين فى الاعتزاز والجهر به أمام العالمين، قال تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠)